كلّ تحليلٍ لـ «الموت الفجائي» الذي منيت به «عاصفة الحزم» ينطلق من فرضية هزيمة السعودية أو انتصارها فيه قصور. فالحرب انتهت عند النقطة التي ابتدأت بها: «الرئيس» هادي خارج اليمن، الحوثيون في صنعاء، والمعارك تستمرّ في عدن والضالع وغيرها. في نهاية الأمر، واذا وضعنا جانباً الحماسة القتالية للاعلام الخليجي، فإن المسألة لم تكن تحتاج الى خبير عسكري لمعرفة أن السعودية، عبر حملتها الجوية، لن تتمكن من اجبار الحوثيين على الاستسلام، أو نزع سلاحهم، أو حتى وقف تقدّمهم الميداني.
من جهة اخرى، فإنّ السّعودية لن توقف غاراتها على اليمن، ولا تدخلاتها واذكائها للحرب الداخلية. وهي تجهد بالفعل في تحضير حلفٍ موالٍ لها، خلف واجهة هادي، و»شراء» الوحدات العسكرية وولائها.
بحسب «نيويورك تايمز»، انتهت «الوثبة العربيّة»، كما كان مقدّراً لها، بأمرٍ اميركيّ. لا يهمّ هنا ان كان السبب هو خوف واشنطن من تصعيد المواجهة وانفلاشها، أو قلقها من توسّع «القاعدة» بلا وازع، أو حتى ان كان المسؤولون الأميركيون، كما تدّعي الصحيفة، قد هالهم حجم الضحايا المدنيين، فكانوا أكثر رفقاً بأهل اليمن من «أشقائه». الخاسر الأول في هذه الحرب هو الشعب اليمني، الذي قتلت السعودية أبناءه، وضربت مدنه، ودمّرت بناه التحتية، بلا سبب أو وجه حقّ. هذا وسط تهليل النخب الطائفية العربية، التي كشفت لنا، بكلّ قبح، عن وجه اللئيم حين يتمكّن، ولو على أضعف الخلق وأفقرهم.
الذين يسوّقون الحرب على اليمن على انها تحدٍّ لايران ومكافحة لـ «تمدّدها»، وصاروا متخصصين بنزع الجنسية عن العرب، يعتمدون على قيام هيمنة نفطية تسمح بقول أي شيء، والترويج لأي كذبة، وخلق عالمٍ له قوانينه الخاصة وسردياته التي لا يتحداها أحد. هم، مثلاً، لا يعرفون أن المحللين الجديين والصحافة الغربية تسخر من ادعاءاتهم: صحيفة «هفينغتون بوست» كشفت أنّ الايرانيين حاولوا ثني «أنصار الله» عن دخول صنعاء، ولكنهم لم يستمعوا اليهم. والموقف الرسمي للبيت الأبيض هو أن طهران، وان ساعدت الحوثيين، فهي لا تملك سطوة عليهم؛ وقد قالت الناطقة باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، بوضوح، إن ايران في تقديرهم «لا تمارس قيادة وسيطرة على الحوثيين في اليمن». وفي مقالٍ للكاتب الأميركي مارك بيري، سخر أحد الخبراء المقربين من المؤسسة العسكرية من سردية أن الحوثيين يعملون لصالح طهران قائلاً انها «حجة يسوقها الاسرائيليون... انه ادعاء فارغ... الحوثيون لا يحتاجون لسلاح من ايران. لديهم الكثير منه اصلاً».
هذه الحرب لم تكن الا محطة مشينة في مسيرة نظام اقليمي يتهاوى؛ ومعاني الهزيمة والنصر فيه هي أبعد من حملة جوية، وتتعلق بالقدرة على البقاء. في التسعينيّات حين كانت أسعار النفط متذبذبة ومنخفضة، كانت السعودية تسعى لأن تساوي عائداتها النفطية أكثر من مئة مليون دولار في اليوم، هو المبلغ اللازم حينها لإدارة الدولة وتمويلها. السعودية الآن تحتاج الى ثمانين مليار دولار في السنة من أجل انفاقها العسكري فحسب، وضعف هذا المبلغ لتمويل رواتب مواطنيها ونشاط الدولة والفساد. هذا كلّه من مورد واحدٍ أحد لم يرفده شيء في العقود الماضية، هو النفط وتصديره – وفي البلد نموّ سكاني كبير، واحتياجات متزايدة، وآبار نفطية رئيسية دخل انتاجها مرحلة الانحدار. فللنتظر ونرَ.