د. فوزي الأسمر *
سيتميّز هذا العصر بأنه عصر الثقافات المختلفة، وخصوصاً السلبية منها. فهناك ثقافة العرب وثقافة الإرهاب وثقافة العنف وثقافة الكذب، وثقافة التحريض وغيرها. وطبعاً هناك ثقافات إيجابية في مقدمتها ثقافة المقاومة.
وهذه الثقافات السلبية، متشابكة ببعضها، وتعتمد في نجاحها على وحدتها، فثقافة الرعب تحتاج إلى بثّ الخوف في النفوس ممّا يسمونه الإرهاب. ولتعزيز ذلك، هناك حاجة إلى ثقافة التحريض، ولكي تنجح هذه الثقافة، فإنها بحاجة إلى ثقافة الكذب والتبريرات عندما تكتشف الأكاذيب، والهدف من كل ذلك هو تبرير العنف، والغطرسة، والذي يواكبهما، غزو بلاد أخرى، وتجنيد مليارات الدولارات لتنفيذ المآرب التي تهدف إلى السيطرة على العالم. ولتحقيق كل ذلك، يحتاج القائمون على هذه الثقافات إلى تغطية جماهيرية نابعة من الرعب الذي ترسمه هذه المجموعات.
فمنذ وصول جورج بوش إلى البيت الأبيض، واختياره ديك تشيني نائباً له، وهما ينشران ثقافة الرعب، مستغلين أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001، مدخلاً لتطبيق سياسة عنصرية داخل حدود الولايات المتحدة وخارجها.
فقد استطاع بوش وإدارته نشر الرعب في قلوب الأميركيين لمدة تجاوزت خمس سنوات، حيث لم يتركوا فرصة إلا وذكّروا فيها الشعب الأميركي بأنه يواجه خطراً يشكل تحدياً لأمنه القومي.
ولكي تنجح ثقافة الرعب هذه كان من الضروري أن تربط إدارة بوش تحركها مع عدد من العناصر، في مقدمتها ما تسميه الإرهاب، ووضعت تحت هذا البند عناصر كثيرة، منها الثقافة الإسلامية، والملامح الشرق أوسطية، والأسماء العربية، ونشر الشرطة في شوارع المدن الرئيسية ورفع مستوى الحذر الأمني من أخضر إلى أصفر إلى أحمر، وقيام الشرطة بين الحين والآخر بإظهار عضلاتها، وشددت ما سمّته الأمن في المطارات ومحطات القطارات وغيرها من الأماكن العامة. كل ذلك كي تجعل من البعد الأمني مدخلاً يشعر كل إنسان فيه بمدى «الخطورة الإرهابية التي تواجهه» عن طريق التفتيش الدقيق، وخلع الأحذية، ومنع حمل حتى معجون الإسنان، أو أنابيب صابونة الحلاقة وغيرها من الأمور أثناء السفر بالطائرات، وهي أكثر المواصلات طلباً في أميركا، كل ذلك من أجل إدخال الرعب إلى نفس رجل الشارع الأميركي. الأمن مطلوب، وهو في كل مطارات العالم ومحطات قطاراتها، لكن ليس بالصورة التي تقوم بها السلطات الأميركية. السبب أن لهذه السلطات بعد سياسي ــــــ اقتصادي.
وتطور وضع إدخال الرعب إلى القلوب يمر عبر الثقافات الأخرى، وفي مقدمتها الثقافة العربية والإسلامية، مشيرين إلى أن «الدين الإسلامي يحمل عنصر العنف الذي يؤدي إلى الإرهاب». ولعل الهجوم الذي شُنّ على رئيسة مجلس النواب ناسي بيلوسي إثر وضع غطاء على رأسها عندما قامت بزيارة الجامع الأموي أثناء زيارتها إلى دمشق، حيث قالت بعض الصحف إنه كان يتحتم عليها ألّا تذهب إلى الجامع كي لا «تتحجب»، هو مثل واحد فقط.
وعندما قامت بيلوسي بزيارة إلى «مجلس الشورى» السعودي، أثناء زيارتها للمملكة، كان السؤال الذي دار بخاطر الصحافيين أن يسألوها إياه فور خروجها من هناك هو عن رأيها في أعضاء هذا المجلس الذي لا يضم فيه امرأة واحدة. وأجابت بيلوسي: «لقد احتاجت الولايات المتحدة إلى أكثر من مئتي سنة كي تصل سيدة إلى منصب رئاسة مجلس النواب».
وللمقارنة فقط، فإننا لا نسمع أي انتقاد لأي مسؤول أميركي أو غير أميركي، يضع «اليماكا» على رأسه (وهي قبعة صغيرة يضعها الإنسان على رأسه عندما يدخل معبداً دينياً يهودياً). لكن الهجوم على بيلوسي يصب في خانة ثقافة الرعب والتحريض.
وثقافة الرعب هذه، التي تواكبها حملة التحريض على العرب والمسلمين، هي في الواقع من صلب الفلسفة السياسية التي يتبناها المحافظون الجدد في أميركا. فقد حاولوا عن طريق مبعوثهم، بوش، أن ينشروا هذه الثقافة، آملين أن تفسح لهم إمكان السيطرة على العالم. لقد ظهر ذلك في موقف بوش قبل غزو العراق عندما قال لدول العالم: «إمّا معنا أو معهم».
لكن يبدو أن هذا الخط من التفكير قد أخذ يفقد بريقه، وخصوصاً بعد أن تبيّن للشعب الأميركي وللعالم أن الإدارة الأميركية والمحافظون الجدد، والمسيحيون الصهاينة، قد أفرغوا ما في جعبتهم من أكاذيب، وظهر وجههم الحقيقي الهادف إلى السيطرة على العالم، ودفعه في متاهات حروب قد تعود بالفائدة المادية على شريحة ضيقة في المجتمع الأميركي، وفائدة معنوية في وضع الولايات المتحدة قائدة وحيدة على العالم تتصرف به كما تشاء.
فقد وجد الشعب الأميركي أن هذه الإدارة فشلت في تحقيق أي شيء في العراق، سوى إقناع العراقيين بأن نظام الاحتلال أسوأ بكثير من نظام صدام حسين وبدأ الكثيرون يترحّمون على أيام صدام.
ويبدو أن المحافظين الجدد لن يرتاحوا قبل إدخال الولايات المتحدة بحرب إضافية، وليس عن طريق الصدفة أن وصف بوش نفسه بـ«رئيس حرب»، وهو يحاول أن ينهي فترة وجوده في البيت الأبيض عن طريق حرب جديدة. ولكي ينفّذ ذلك يحتاج بوش إلى حلفاء جدد بعد أن خاب أمله بالحلفاء القدامى. فقد بدأت دول التحالف بسحب قواتها من العراق، وتواجه أميركا معارضة شديدة في المؤسسات العالمية لتحركاتها، ونرى ذلك واضحاً على مستوى شعوب العالم أيضاً.
فمن هنا نستطيع أن نفهم التحرك المكثف لكوندوليزا رايس في منطقة الشرق الأوسط، ومحاولة إدارة بوش كسب ود العرب عن طريق رفع شعارات حلِّ القضية الفلسطينية عن طريق إقامة دولة فلسطينية. لكن هذا لم يمنع خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله من نعت الاحتلال الأميركي للعراق بأنه «احتلال غير مشروع»، إضافة إلى أن الكونغرس الأميركي لا يؤيد حرب بوش الجديدة، ونأمل ألّا يقع في الخطأ نفسه الذي وقع فيه عندما منح الكونغرس بوش صلاحية غزو العراق، الشيء الذي ندم عليه الكثيرون في الكونغرس.
* كاتب فلسطيني يقيم في واشنطن