اعداد : علي شهاب
تُقدم وحدة التحليل الاستخباري في الشبكة المتحدة، العاملة في النمسا والمرتبطة بمجلة «إيكونوميست»، عرضاً فريداً للنتائج الجيوسياسية للحرب الاسرائيلية على لبنان من حيث أسلوب الدراسة الذي يعتمد على تلخيص الاستنتاجات بشكل نقاط سريعة أُدرجت تحت عناوين مرتبطة بالواقع الاستراتيجي لأطراف الحرب واللاعبين المؤثرين في الشرق الأوسط.
ومن جملة النتائج الحاسمة التي تخرج بها الدراسة، الصادرة في فيينا، والتي أعدَّها الباحث دانيال تورنيلي، سقوط حركة الرابع عشر من آذار في لبنان خلال فترة قصيرة، وتزعزع النظام السوري بفعل المسلحين الإسلاميين، وتراجع فرص السلام في فلسطين في المدى المنظور. أما المنتصر الأكبر نتيجة الأخطاء الأميركية «الفادحة» في المنطقة فهو إيران التي أصبحت تتحكم بمستقبل الأميركيين في العراق، فيما خرج حلفاؤها الإسلاميون في لبنان وفلسطين ومصر أقوى من ذي قبل بعد حرب تموز 2006.
من سيحافظ على السلام، وما هو دور الأوروبيين؟
تنطلق الدراسة من معطى ثابت مفاده أنّ «الجيش اللبناني لا يستطيع مقارعة حزب الله» من دون الدخول في التفاصيل التي أدت الى تشكل واقع الجيش من حيث عدم القدرة على تسليحه في مواجهة اسرائيل. وبناءً على هذه الحقيقة، أوكلت الأسرة الدولية الى دول أوروبا الغربية تأدية دور فاعل في لبنان بُعيد حرب تموز، لكن المشكلة تكمن في كون «القوى الأوروبية الغربية تخشى من ان تؤدي دور الحامي لإسرائيل، وان تغرق في المستنقع اللبناني»، ذلك أنَّ الأوروبيين يعلمون «ماذا في مقدور حزب الله ان يفعل»، في إشارة الى القدرة العسكرية للحزب. عائق آخر يقف أمام تطلعات الأوروبيين هو في كونهم لا يملكون تفويضاً من شعوبهم للـ«انزلاق الى المستنقع اللبناني».
الأمر الإيجابي الوحيد الذي يخرج به الأوروبيون في لبنان هو في أنهم يشعرون «بأنهم لا يحتاجون الى اتباع سياسة الإمبرياليين (الولايات المتحدة الأميركية)، وأنّ في إمكانهم التصرف كوسطاء حقيقيين». (تشير الدراسة لاحقاً في الاستنتاجات الاقتصادية الى ان الأوروبيين سيؤدون دوراً اقتصادياً رئيسياً في لبنان على صعيد إعادة الإعمار وفرص الاستثمار خلال الفترة المقبلة).
من ربح ماذا؟
تُحدد هذه الفقرة من الدراسة المكاسب التي حققتها أطراف الحرب بدءاً بإسرائيل التي «لا تثق بقدرة اللبنانيين على المحافظة على الهدنة»، ومع ذلك يبدو أنّ حزب الله وإسرائيل يحتاجان الى فرصة للتهدئة واستجماع القوى، مع الإشارة الى ان هذه هي «الحرب الأولى التي تخسرها اسرائيل منذ عام 1948»، وقد أفرز هذا الواقع تبدلات كثيرة على صعيد «الإدراكات الحسية» في المنطقة والعالم، حيث «خسرت إسرائيل سمعتها العسكرية»، على الرغم من أنّ الرأي العام الأميركي «لا يزال داعماً» لها، ولا يزال أعضاء الكونغرس الأميركي يعيشون «سطوة اللوبي الاسرائيلي».
أما في الطرف الآخر، فإن حزب الله يؤدي دوره بشكل «جيد جداً» في لبنان، حيث احتاج الجيش الاسرائيلي الى أربعة أسابيع «كي يغرق في وحول قرى صغيرة جنوب لبنان»، بينما احتاج الى سبعة أيام للوصول الى مشارف بيروت خلال اجتياح عام 1982.
وعلى الصعيد المحلي، يبدو موقع حزب الله أقوى بسبب شعبيته الواسعة في أوساط الطائفة الشيعية، وهو قد أثبت أنه «ليس عصابة إرهابية»، بل «منظمة منتخبة ديموقراطياً»، وهذه حقيقة تهملها الولايات المتحدة، وهي بذلك إنما ترتكب «خطأ جيوسياسياً فادحاً». وإنّ حزب الله أثبت قوته بمسارعته الى البدء بـ«مسيرة الإعمار بفضل التمويل الايراني»، متقدماً بخطوات على الحكومة اللبنانية في هذا المجال.
ومن منظور إقليمي، يعتبر الشارع العربي أن حزب الله «فتح جبهة ثانية بينما كانت اسرائيل تهاجم غزة».
أما الأنظمة العربية في مصر والأردن والخليج فهي «جبانة وداعمة للولايات المتحدة»، بحسب الشعوب العربية بعدما اتضح أن هذه الأنظمة كانت تتمنى «خسارة حزب الله».
الديموقراطية والإصلاح في الشرق الأوسط
تقدم الدراسة في هذه الفقرة صورة شاملة عن مستقبل دول المنطقة، كل واحدة منها بحسب موقفها من الحرب، وبالتالي يبدو المشهد كما يلي:
ــ أي انتخابات ديموقراطية في دول المنطقة ستذهب بالأنظمة غير الديموقراطية: سيفوز الإخوان المسلمين في مصر وأسامة بن لادن في السعودية. وقد لمس المحافظون الجدد في واشنطن هذا الأمر خلال السنتين الماضيتين بفوز حزب الله وحماس في الانتخابات.
ــ الإسلاميون حالياً في صعود وفي موقع أفضل يؤهّلهم للحلول مكان الأنظمة السنية، الأمر الذي يشكل كارثة بالنسبة إلى إسرائيل والولايات المتحدة.
ــ على الأرجح طلبت اسرائيل من الولايات المتحدة تجنّب إسقاط النظام في سوريا، لأن اسرائيل لا تريد ان تتحول سوريا الى عراق ثان عند حدودها.
ــ الهجوم الاسرائيلي على البنية التحتية اللبنانية هو كارثة على الاقتصاد اللبناني وعلى الحكومة اللبنانية الأضعف بين الحكومات العربية.
دور حزب الله
تُفرد الدراسة فقرة خاصة للحديث عن مكاسب حزب الله وإيران بعد الحرب، والاستنتاج الأول هو فشل نظرية أن «الهجوم على حزب الله هو تجربة للهجوم على إيران» بعدما حقق الحزب «ما لم يستطع أي جيش عربي تحقيقه، إذ فاز في الحرب الإعلامية وكسر هالة الردع الاسرائيلية».
أما بالنسبة إلى الرمزية التي أصبح يمثّلها الأمين العام لحزب الله (السيد) حسن نصر الله فهي تخطت حدود لبنان حيث نجح نصر الله في «توحيد الشيعة والسنّة في الشرق الأوسط، الأمر الذي لم يستطع بن لادن فعله». كذلك، بعث نصر الله «الأمل مجدداً في قيام نهضة إسلامية لدى الشباب العربي»، بعدما وضع لبنان «حداً للقوة الاسرائيلية كما حدَّ العراق من قوة الولايات المتحدة». وبالتالي حدّت التجربة (الحرب) في لبنان من احتمالات شن هجوم بري على إيران الى درجة يمكن معها القول إن أي تفكير أميركي من هذا النوع سيكون «جنوناً».
ومع أن «دخول الأوروبيين الى لبنان قد يشكل نقطة إيجابية لمصلحة استئناف محادثات خريطة الطريق، يبدو أنّ الأوروبيين لا يحبذون هذا الأمر حالياً».
وفي ما يخصُّ عملية السلام في الشرق الأوسط، فإنَّ الهجوم الاسرائيلي على لبنان وغزة «أجّل آمال التوصل الى سلام لسنوات طويلة»، مع الإشارة الى أن هذه النتيجة هي بالتحديد ما تريده إسرائيل «من أجل الاستمرار في خطة فك الارتباط الأحادية وبناء الجدار الأمني» في الضفة الغربية.
بشكل عام، أدت الحرب الى «تعزيز مواقع المتشددين لدى الطرفين، بينما تراجع موقع المعتدلين». كذلك «فشلت السياسة الاسرائيلية ــ الأميركية التي كانت تهدف الى إضعاف ايران والتسبب بأضرار كبيرة لحزب الله».
على أن الأوروبيين لن يستطيعوا «ملء الفراغ» حتى لو تعاونوا مع روسيا، وسيكون المشهد الجيوسياسي في المنطقة «كئيباً أكثر من أي وقت مضى. وقد يستمر لخمس سنوات على الأقل».
إذاً يبدو الشرق الأوسط عموماً هشّاً من وجهة نظر غربية:
ــ على صعيد فلسطين، ليس هناك من بوادر للتوصل الى اتفاق خلال السنوات الخمس المقبلة، وخريطة الطريق هي مزحة ثقيلة.
ــ لبنان سيعاني حالة عدم استقرار، الحركة السياسية (14 آذار) التي انطلقت عام 2005 فشلت وستسقط في الفترة المقبلة.
ــ وضع الأميركيين في العراق يعتمد على نيات إيران.
ــ في الملف النووي الإيراني، لن يخضع الإيرانيون لرغبة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وستضغط طهران في اتجاه تخصيب اليورانيوم. ولن تدعم روسيا والصين فرض عقوبات دولية على إيران.
ــ سوريا ستمر بحالة من عدم الاستقرار وستكون عرضة لنشاطات حركات إسلامية مسلحة.
ــ في أفغانستان، ستستعيد حركة طالبان نشاطها، وستقع المزيد من الخسائر البشرية في صفوف القوات الأجنبية، وسيتحجّم دور الرئيس حامد كرزاي الى أقل من موقع رئيس بلدية كابول.
ــ الولايات المتحدة الأميركية أضاعت فرصاً للتعامل مع إيران: كان في مقدور (الرئيس الأميركي السابق بيل) كلينتون أن يؤدي دور «(الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد) نيكسون في الصين» حين كان الرئيس الإيراني محمد خاتمي لا يزال في السلطة. اليوم يشعر الإيرانيون بأن الولايات المتحدة تعاملهم بازدراء على الرغم من تعاونهم معها في أفغانستان في مواجهة تنظيم القاعدة.
ــ إيران هي الرابح الأكبر نتيجة السياسة الأميركية في الشرق الأوسط منذ 11 أيلول 2000، فقد سقط الرئيس العراقي السابق صدام حسين «عدو ايران القاتل»، وأصبحت الولايات المتحدة «أسيرة الإرادة الإيرانية بالنسبة إلى العلاقة مع شيعة العراق». وضعفت طالبان في أفغانستان، وصارت إيران تملك الآن «تأثيراً أكبر في لبنان وفلسطين بعدما خرج حزب الله من الحرب أقوى من ذي قبل».