أندرو إكسوم *
ترجمة: زينة الخطيب أبو غايدة

صدر أخيراً عن «مركز واشنطن لسياسات الشرق الأدنى» تقرير، بقلم أندرو إكسوم (كاتب ومحلل عسكري وسياسي له مؤلفات ودراسات عديدة عن حزب الله وجناحه العسكري)، تحت عنوان «المقارنة بين ميليشيا حزب الله وميليشيات العراق»، قام فيه بإجراء مقارنة بين حزب الله والمقاومة العراقية من حيث نشوئهما وظروفهما القتالية، معتبراً أن المقاومة العراقية سائرة على درب حزب الله في التسلح والمواجهة، خالصاً الى ضرورة وضع حد لهذا الواقع قبل أن تتفوق تلك المقاومة على القوات الأميركية في العراق كما تفوق حزب الله على القوات الاسرائيلية. وجاء في التقرير:
أخيراً، بدأ الإداريون العسكريون الأميركيون والمخططون الاستراتيجيون بمقارنة الميليشيات العراقية الشيعية، وخاصة جيش المهدي، بحزب الله، الميليشيا الشيعية والحزب السياسي الأكثر شعبية في لبنان. ويأمل المحللون ان يتمكنوا من فهم هذه الميليشيات وتوقع كيفية تطورهم في المستقبل القريب. هذه ليست مقارنة سيئة إذ ان المناخ السياسي في العراق اليوم يشبه ذلك الذي كان سائداً في لبنان في الثمانينيات عندما برز حزب الله قوةً وطنيةً عسكريةً وسياسيةً. إن حرب العراق حالياً تشبه الحرب الأهلية اللبنانية لكونها حرب ميليشياوية تصارعت خلالها فصائل مسلحة لحماية مناطقها وإخراج القوى الخارجية، بالإضافة الى توفير الخدمات الأساسية للمناصرين. فضلاً عن ذلك، ان حرب تموز 2006 مع اسرائيل جعلت حزب الله مثلاً أعلى للمقاومة والقوة العسكرية تحاول الميليشيات الشيعية في العراق الاقتداء به.
الفرق بين لبنان والعراق
على رغم التشابه، نواجه في المقابل الكثير من المشاكل عند مقارنة حزب الله بالميليشيات العراقية.
أولاً، يختلف المناخ الذي سمح لحزب الله بأن يصبح «دولة ضمن الدولة»، وأن يثبت نفسه لثلاثة عقود قبل حرب تموز 2006 كقوة عسكرية فعالة. ثانياً، لطالما كان لبنان بلداً ضعيفاً لا تحكمه الحكومة المركزية بل يحكمه زعماء طوائف. هذا هو واقع لبنان منذ عام 1943. وقد ساهمت سلسلة المجازر الطائفية، التي قادت البلاد الى 15 سنة من الحرب الأهلية الدامية عام 1975، في هذا الضعف. أما العراق فكان خاضعاً لنظام ديكتاتوري حتى عام 2003، وهو على شكله الحالي منذ أن أطاحت أميركا صدام حسين وتركت فراغاً في السلطة.
علاوة على ذلك، حزب الله منظمة أكثر نضجاً وتنظيماً من أي ميليشيا عراقية. وكما سبق أن ذكرنا، تحول حزب الله خلال عقود عدة الى قوة سياسية تعمل بفعالية دولة مصغرة في جنوب لبنان، سهل البقاع، وضاحية بيروت الجنوبية. فجماعة حزب الله الذين بدأوا فرقاً شيعية غير منظمة من المسلحين، تطوروا مع الوقت الى شبكة توفر خدمات تعليمية وطبية واجتماعية. ولطالما تمتع حزب الله بدعم إيراني مالي ومادي على مقياس أكبر مما هو متوافر للميليشيات العراقية. وتجدر الإشارة الى انه من غير المتوقع لأي من الميليشيات العراقية، باستثناء البشمرغا في المناطق الكردية، أن تعمل على مستويي التنظيم والانضباط اللذين يميزان حزب الله في لبنان.
لم يعرف حزب الله النجاح اللافت في ساحة القتال مع اسرائيل إلا منذ التسعينيات حين برزت قدرته على التكتيك. وإن ما لفت الأنظار في حرب تموز 2006 هو انه أصبح أكثر تمرّساً ودقة في استخدام الأسلحة وبات صعباً على الاستخبارات الاسرائيلية اختراقه. بالإضافة إلى ان هذا النجاح يمكن نسبه الى الدعم اللامحدود من رعاة خارجيين كإيران وسوريا والتدريب المكثف منذ انسحاب اسرائيل عام 2000 من جنوب لبنان، فضلاً عن التطور السريع لحزب الله منذ 1982.
الميليشيات العراقية على درب حزب الله
قد لا تملك الميليشيات العراقية القدرة القتالية التي يملكها حزب الله، إلا ان المخططين الأميركيين محقون في اعتبار حزب الله ملهماً للميليشيات العراقية لتحقيق الانتصارات. وبعد إعلان الزعيم الشيعي مقتدى الصدر دعمه لحزب الله خلال حرب تموز 2006، أعلنت الاستخبارات الأميركية ان الميليشيا التابعة لهذا القائد قد قبلت التدريب العسكري من جانب مقاتلي حزب الله في لبنان والعراق. ويلزم هذه الميليشيات العراقية الكثير من الوقت ليصبح أداؤها في ساحة القتال شبيهاً بأداء مقاتلي حزب الله. على رغم ذلك، تفيد بعض المصادر ان هناك ميليشيات ومجموعات مقاومة تمكنت بسرعة مخيفة من حيازة أسلحة أساسية ومتطورة واستخدامها.
لقد أُسقطت ست طوافات أميركية في العراق خلال فترة قصيرة، إلا ان المصادر تختلف على ما إذا كانت قد استُخدمت أسلحة تقليدية خفيفة أو أسلحة أكثر تطوراً كالصواريخ التي تُطلق عن الكتف. في الحالة الأولى، قد يستنتج المراقبون ان الميليشيات العراقية والمجموعات المقاومة أصبحوا أكثر تمرّساً في استخدام الأسلحة الخفيفة ضد الطوافات الأميركية، ما يزيد من قلق الولايات المتحدة التي اعتادت التمتع بالأفضلية التي كانت تحصل عليها في استخدام الطوافات في معاركها.
أما في الحالة الثانية، فإن قلق الولايات المتحدة يتضاعف لأن ذلك يعني ان الرعاة الخارجيين كإيران يموّلون ويجهّزون ويدرّبون الميليشيات العراقية. يتفاقم هذا القلق مع إصدار التقارير التي تعلن أن إيران مسؤولة عن استخدام أقوى «عبوات طريق» مستخدمة في عمليات الميليشيات العراقية ضد القواعد الأميركية المسلحة. هذا ولا يخفى أن وزارة الدفاع أعلنت الدعم الإيراني العسكري لهذه الميليشيات.
الخلاصة: إن نشوء حزب الله، كالميليشيات العراقية، هو حصيلة مناخ سياسي واجتماعي فريد. لذا على المخططين الأميركيين توخّي الحذر قبل إقدامهم على طرح مقارنات واسعة النطاق بين حزب الله والميليشيات العراقية الشيعية إذ ان بعض الخصائص قد لا تنطبق على الاثنين معاً. في الوقت نفسه الإداريون العسكريون الأميركيون والمخططون محقون في اعتقادهم ان الميليشيات العراقية ستسعى لأن تحذو حذو حزب الله في التمرس في القتال وإحكام المخططات وتحقيق الانتصارات. لذلك يجب ان يحذر المخططون الأميركيون من أي أسلحة أو مخططات تقدم من جانب رعاة خارجيين لتحقيق تلك الغاية. إن الدعم الخارجي المستمر لتلك الميليشيات على صعيد الأسلحة والتدريبات سيشكل خطراً على الوجود العسكري الأميريكي في العراق كما حصل للقوات الاسرائيلية في جنوب لبنان. وبناءً عليه، فإن تحديد اللعبة التي يلعبها الإيرانيون في العراق أمر مهم. لعل إيران تنتظر معرفة أي ميليشيا شيعية ستبرز قوتها قبل ان تعطي دعمها الكامل لها. ويمكن ان تعطي دعمها لإحدى الميليشيات الوفية المنشطرة كما فعلت حين فصلت حركة أمل الإسلامية، ولاحقاً حزب الله، عن ميليشيا أمل اللبنانية في أوائل الثمانينيات. يبقى ان ننتظر لنرى كيف ستتبلور الأمور. أما الآن، فيجب على أصحاب القرار ان يستخلصوا العبر من ظاهرة حزب الله في سياق قراءتهم للمناخ السياسي والعسكري المعقد في العراق.
* باحث في مركز واشنطن لسياسات الشرق الأدنى