حسن عجمي *
السوبر حداثة تدرس الأكوان الممكنة. إذا نظرنا إلى الأكوان الممكنة مجتمعة، ولكونها تختلف عن بعضها البعض، فسوف تظهر حقائقها على أنها غير مُحدَّدة. لذا تستعين السوبر حداثة باللامحدَّد من أجل الوصول إلى المعرفة. بالنسبة إلى السوبر حداثة، بالرغم من أن الكون غير محدَّد فمن الممكن معرفته لأننا من خلال لامحددية الكون نتمكن من تفسيره. هكذا تختلف السوبر حداثة عن الحداثة وما بعد الحداثة. الحداثة تقول إن الكون مُحدَّد، لذا من الممكن معرفته. بينما ما بعد الحداثة تعتبر أن الكون غير مُحدَّد، لذا من غير الممكن معرفته. أما السوبر حداثة فتؤكد على أن الكون غير مُحدَّد، لكن رغم ذلك من الممكن معرفته، وبذلك تختلف السوبر حداثة عن الحداثة وعن ما بعد الحداثة.
للسوبر حداثة تطبيقات عديدة، منها موقفها من النظريات العلمية. بالنسبة إلى السوبر حداثة، من غير المُحدَّد أي نظرية علمية هي النظرية الصادقة، ولذا من المتوقع وجود نظريات علمية مختلفة كلها ناجحة في تفسير الكون رغم أنها تعارض بعضها بعضاً. هكذا تُفسِّر السوبر حداثة لماذا توجد نظريات علمية متعارضة رغم أنها كلها ناجحة كنظريتي النسبية لأينشتاين ونظرية ميكانيكا الكمّ. فبالنسبة إلى النظرية النسبية الكون حتميّ، بينما بالنسبة إلى ميكانيكا الكمّ الكون غير حتمي. لكن بالرغم من تعارض النظريتين، هما نظريتان ناجحتان في تفسير الكون. وهذا بسبب أنه من غير المُحدَّد أي نظرية منهما هي النظرية الصادقة. هذا يعني بالنسبة إلى السوبر حداثة أنه في بعض الأكوان الممكنة الشبيهة بعالمنا نظرية النسبية هي الصادقة. أما في أكوان ممكنة أخرى شبيهة بعالمنا، فنظرية ميكانيكا الكمّ هي الصادقة. وبما أن الأكوان السابقة كلها شبيهة بعالمنا، إذاً من المتوقع نجاح كل من نظرية النسبية ونظرية ميكانيكا الكمّ في تفسير عالمنا. هكذا تُفسِّر السوبر حداثة نجاح النظريتين السابقتين رغم التناقض بينهما. وهكذا السوبر حداثة تدرس الأكوان الممكنة وتستخدمها في بناء تفاسيرها.
أما السوبر مستقبلية فترى أن الماهيّات مُحدَّدة في المستقبل فقط، وبذلك الأشياء والظواهر غير مُحدَّدة في الحاضر والماضي. لكن السوبر حداثة تعتقد بلامحددية الكون وتدرسه على هذا الأساس. إذاً السوبر مستقبلية تؤدي إلى السوبر حداثة. هذه هي العلاقة بينهما. الآن، بما أنه بالنسبة إلى السوبر مستقبلية الماهيات مُحدَّدة في المستقبل فقط، إذاً تعتمد السوبر مستقبلية على مفهوم المستقبل من أجل تحليل المفاهيم. السوبر مستقبلية هي المذهب الفلسفي الذي يُحلِّل المفاهيم من خلال المستقبل، ومثل على ذلك هو الآتي: الحقيقة هي قرار علمي في المستقبل.
لهذا التحليل فضائل عدة منها : أولاً، بما أن الحقيقة قرار علمي في المستقبل، وبما أننا كنا في الماضي وما زلنا في الحاضر، إذاً لا بدّ من البحث الدائم عن الحقيقة. هكذا السوبر مستقبلية تضمن استمرارية البحث العلمي بدلاً من أن توقفه، وهذه فضيلة لها. ثانياً، بما أن الحقيقة قرار علمي في المستقبل، والقرار مرتبط بنا نحن البشر، إذاً الحقيقة مرتبطة مفاهيمياً بنا، وبذلك من الممكن معرفة الحقيقة. هكذا تُعبِّر السوبر مستقبلية عن إمكانية المعرفة، وهذه فضيلة لها. ثالثاً، بما أن الحقيقة قرار علمي في المستقبل، والعلم يعبِّر عن الواقع، إذاً الحقيقة تطابق الواقع، وهذا هو المطلوب. بالنسبة إلى السوبر مستقبلية، التاريخ يبدأ من المستقبل. لكن المستقبل لم يتحقق كلياً في الحاضر والماضي، وبذلك اللامحدَّد يحكم العالَم كما تقول السوبر حداثة بالضبط.
* كاتب لبناني