ما أقسى لحظاتِ الوداع وما أثقلَها على القلب!
وما أشدَّه ألماً ذاك الفراق الصعب، ووداعُ الأحبةِ ورحيلهم الأبديّ ! فكيف لا؟! ومن افتقدناه إنسانٌ عزيزٌ جداً علينا استوطن قلوبَ الكثيرين منَّا، لما له من مكانةٍ عظيمةٍ وشأن رفيع، وهو ذو القلب المفعم طهراً وحُبَّاً وورعاً!
وما أشدَّ آلامنا، وسياطُ الفراق تجلدنا، وتكوي قلوبنا، بعد أن كان فقيدنا الغالي منبعَ أفراحنا وسرورنا. فكل أبجديات الأرض أعجزُ من أن ترثيه، أو تفيه حقه من الكلام والرثاء.
كيف لي ان ارثي اخاً وزميلاً رافقني دربَ الطفولة ومشوارَ عمرنا الدراسيَّ ألا وهو الصديق الغالي وشقيق الروح الشيخ محمد خاتون؟
كنا ننسجُ سوياً أحلامَنا كما تنسجُ الشمسُ خيوطَ الأمل والفرح. كنا نتقاسمُ العلمَ وخبزَ المودة ومُلحَها، وزيتاً نسرجه لظلام الليل ﺍﻟﺤﺎﻟﻚ، والعينُ لم تكن لتملَّ التحديقَ في شمسِ الآمالِ والأحلام، ونفوسُنا لم تكن لتبغي غير قطفِ نجوم طموحاتنا ولو كانت الأرض محفوفةً بالأشواك، وكانت أنهارُها تتفجر علقماً. كنا نريد استبدالَ ذاك العلقم بالعسل المصفّى والشوك بالرياحين، وكنا نبغي لذاك الحرمان لأهلنا في الوطن العزيز باقتلاعه من جذوره لنستبدلَه دِعَّةً وعدالة. ومن هنا كانت فكرتُك النابغة تلك، وهي إنشاءُ حزبٍ قويم يعمل على تغيير كل تلك المشوبات التي كانت تعترض سبلَ الحياة الكريمة لأهلنا، حزبٍ يقوم بثورةٍ تغير وجهَ الأرض ومعالمَها الشائكة في دروب العيش الكريم. يومذاك، أردتَ أنتَ لهذا الحزب "الجنين" إسماً فاقترحتُ عليكَ ان نسميه "الحزب الإرتوازي" ليفجّر من بواطن تلك الربوع الخصبة ثورةً حسينية مُستخرِجَةً ما فيها من عزيمةٍ وإرادةٍ صلبة!
فكيف لي أن أنسى وقد قمتَ أنتَ بزيارة وطنِ الإغتراب في نيجيريا، عام ٢٠١٠ وأعدنا سوياً ﺳﺮﺩ شريط ذكرياتنا الحافلة بالآمال والطموحات التي رسمناها وسجلناها سويَّاً، واستذكرنا كيف كنا نقومُ بإرسالِ رسائل مكتوبةٍ بأناملنا نحن ومبعوثةٍ إلينا بأسماء عائلاتٍ صورية جنوبية عريقة لجذب أنظار الناس واهتمامهم والإنجذاب إلى فكرتنا وحزبنا المشروع ذاك! كان حُلُمك حزباً همه أن يدفع عن أهلنا الظلم والإستبداد، ويعيدَ إليهم ما تبقى من كرامةٍ مسلوبة، ويحطِّم أﺻﻔﺎداً ويكسر أسواطاً اعتادت جلدَ عزيمتنا ومقدساتنا. فكنتَ واحداً من تلك الثلةِ النابغة التي عمدت إلى ﺗﻐﻴﻴﺮ مجرى التاريخ.
تبقى يا صديقي الغالي فوق كل الكلام للرثاء، وأعلى من كل مستويات التعبير عن عمق الحزن والأسى على فراقك. فحبر أقلامنا قد جف، ولم يـبقَ لنا سوى تلك الدموع الذارفة من المآقي لتطهرها، ﻟﻘﺪ ﻣﺮ طيفك الملائكيّ كالغمام المثقل ﻟﻴﺒﻠﻞَ أخاديدنا المتشققة من وجع الحياة وآلام الأيام الجارية! فكأني بك قد كُشِف غطاؤك فكان بصرُك يومها حديداً! فكنتَ واحداً من مؤسسي حزب اللّٰه الغالبين! فكفاكَ ذلك فخراً وعزَّاً إذ أنك كنت مستودعَ أسرار الأمناء!
فنم قريرَ العين في جوار الصدِّيقينَ والشهداء الأبرار، واهمس في آذان السابقين إلى العُلى أنه قد أودعناكَ إليهم السلام!
علي احمد مسلماني
لاغوس - نيجيريا