يوسي ميكيلبرغ *
«كاثام هاوس» هو المعهد الملكي للعلاقات الدولية ويقوم بدراسات حول أسئلة عالمية تفرض نفسها من دون إبداء الرأي في النتائج الصادرة عن هذه الدراسات. وصدر في شهر آذار الحالي عن «كاثام هاوس»، بالتعاون مع جامعة وبستر، تقرير بقلم يوسّي ميكيلبرغ (رئيس قسم العلاقات الدولية في مركز خريجي وبستر وعضو في برنامج الشرق الأوسط في كاثام هاوس)، تحت عنوان «إسرائيل وإيران ــ من حرب الكلام الى كلام الحرب»، ناقش فيه التحديات التي تفرضها متابعة إيران لبرنامجها النووي والإجراءات التي يمكن إسرائيل والولايات المتحدة اتخاذها لمنع ايران من تشكيل قوة عسكرية نووية، إضافة الى النتائج المحتملة لشن هجوم اسرائيلي على إيران. وجاء في التقرير:
من الواضح ان المجتمع الدولي بات مقتنعاً ان الولايات المتحدة واسرائيل تعتبران ان ايران تهدد مصالحهما بشكل مباشر، وبالتالي هناك اعتقاد سائد أن إحداهما أو الاثنتين معاً ستشنان هجوماً عسكرياًَ على ايران لاستهداف مواقعها النووية ومواقع استراتيجية أخرى. غير ان أي هجوم سيسبب الضرر لهذه المواقع النووية من دون تدميرها نهائياً، وتكون نتيجة ذلك تفاقم شحن النفوس في الشرق الأوسط وتوحيد المجموعات المناهضة لإسرائيل والولايات المتحدة وحلفائهما.
ليس مستغرباً ان الصراع بين إسرائيل وإيران سرعان ما أثّر في الصراع المستديم بين الفلسطينيين وإسرائيل من جهة، واسرائيل وحزب الله من جهة أخرى. لقد شجّعت ايران المنظمات الفلسطينية وعارضت أي حلول من أجل السلام بين اسرائيل وجوارها. وما زاد الأمور تعقيداً، كان فوز الحركة الإسلامية الأصولية حماس في انتخابات 2006، إذ إن هذه المنظمة مدعومة من إيران ويعتبرها بعض الاسرائيليين امتداداً لنظام طهران. ولم يُعتبر فوز حماس تغييراً جذرياً في المجتمع الفلسطيني فقط، بل قرباً لإيران من الحدود الاسرائيلية أيضاً.
واستوحت الولايات المتحدة واسرائيل من حرب تموز 2006 بأن التدخل الإيراني في الصراع العربي الاسرائيلي هو تدخّل ملموس، ما يشكل خطراً حقيقياً، ذلك أن دعم إيران لحزب الله مادياًَ وسياسياً وعسكرياً سبب الانزعاج على الحدود الشمالية لاسرائيل ودفعها لتحميل ايران المسؤولية الكاملة عن ذلك. وعلى رغم ان اسرائيل قادت حملة عسكرية دامت 34 يوماً على لبنان قتلت خلالها أكثر من 1000 لبناني، فضلاً عن أنها دمرت البنى التحتية اللبنانية، خرج حزب الله من هذه الحرب أقوى سياسياً، مقوّياً بذلك النفوذ الايراني داخل لبنان وفي الصراع العربي الاسرائيلي.
وعلى الرغم من زعم المسؤولين الإيرانيين ان برنامج ايران النووي لا يهدف تطويره الى بناء قوة عسكرية نووية بل إلى استخدامه سلمياً، يرى المجتمع الدولي غير ذلك. ويتزامن القلق المتزايد في شأن هذا البرنامج مع التصعيد الكلامي للرئيس الإيراني أحمدي نجاد وبعض المسؤولين الإيرانيين، ما يعني ان احتمال قيام اسرائيل بهجوم عسكري على ايران يزداد يوماً بعد يوم إن لم يتخذ المجتمع الدولي موقفاً ما. وتفضّل الولايات المتحدة واسرائيل ان توقف ايران برنامجها النووي نهائياً، إلا ان اسرائيل قد تكتفي بوضع ايران تحت مراقبةٍ دوليةٍ مكثفةٍ للحرص على وقف تغذية أسلحتها باليورانيوم وعدم تطويرها لأسلحة نووية.
تعتبر اسرائيل ان ايران تشكل الخطر الأكبر على الأمن في الشرق الأوسط وأوروبا وأميركا على حد سواء، بسبب تخوّفها من تطوير إيران لأسلحة الدمار الشامل. إلا ان اسرائيل لطالما قامت بتدويل هذه المشكلة عوضاً من معالجتها بنفسها لتفادي مواجهة ايران مباشرة. وبما انّ اسرائيل لا تملك أي سلطة اقتصادية على إيران، فإنها تعتبر ان الحلّ الوحيد هو الهجوم العسكري الجوي إن فشل المجتمع الدولي في وقف برنامج ايران النووي. وتجدر الإشارة إلى ان اسرائيل لا تعتزم أخذ المبادرة إلى هذا الهجوم لأنها مدركة أنه ما من ضمانات للنجاح، فضلاً عما سينتج من ردات فعل عنيفة في الشرق الأوسط والعالم الاسلامي، وسيضطر المجتمع الدولي إلى استنكار عمل اسرائيل ــ على رغم عدم أسفه ضمنياً ــ نظراً إلى كون اسرائيل تصرفت وحدها وخاطرت بحصول ردة فعل إيرانية تهدد الاستقرار الدولي. ان حكومة أولمرت المتحدة التي تشكلت منذ أقل من سنة تواجه مستقبلاً غير مضمون يحدده تقرير بعثة التحقيق في شأن عملية صنع القرار في اسرائيل ومجانسة الحكومة للجيش ــ وخاصةً أولمرت ووزير دفاعه عمير بيريتس. كل هذا حدث إثر حرب تموز 2006. ترى هل يمكن حكومة تخضع للتحقيق حالياً بسبب فشل سابق في الحرب أن تشن حرباً جديدة؟ ان المنطق ينفي ذلك، وخاصة مع جيش يجمع أشلاءه بعد استقالة الجنرال حالوتس ومع اتصالات ترد أولمرت وبيريتس تدعوهما الى الاستقالة وتحمّل المسؤولية. إلا ان الحكومة الضعيفة تشكل خطراً أكبر من الحكومة القوية، حيث ان حكومة أولمرت مثلاً قد تستفيد من شن هجوم ناجح على إيران لصرف النظر عن مشاكل الحكومة. واللافت ان ما من نقاش في موضوع سقوط الحكومة الاسرائيلية في حال شنها هجوماً على ايران، وربما يعود السبب في ذلك إلى ان احتمال الهجوم يعتبر بعيداً جداً، أو بالأحرى هو مجرد استعراض قوى لحثّ المجتمع الدولي على التحرك.
منذ انتخاب نجاد رئيساً لإيران في حزيران 2005، توترت الأجواء بين ايران واسرائيل بشكل لافت، وفيما تصاعدت حرب الكلام، صرح أحمدي نجاد بأن اسرائيل هي نظام مزيف يجب ان يختفي لأن الكيان الصهيوني يقوم على قمع العالم الاسلامي. وصرّح حديثاً انه يشكك في حصول مذبحة في حق اليهود، لذلك يصرّ على وجوب رجوعهم الى أوروبا.
كان ذلك ليعدّ كلاماً لو لم تكن ايران في خضم بذل جهود لتغذية اليورانيوم وامتلاك صواريخ ذات رؤوس نووية بعيدة المدى، مثل شهاب ــ 3 وشهاب ــ 4 اللذين يبلغ مداهما على التوالي 1300 كم و2000 كم، ويمكن الاثنين بلوغ اسرائيل.
ان كل الخيارات المعروضة لحل هذا النزاع يمكن ان تؤذي المصالح الأميركية والاسرائيلية وتهدد الاستقرار الإقليمي. لكن يبقى خيار الهجوم العسكري الأكثر ضرراً.
تفضّل اسرائيل حالياً تشجيع المجتمع الدولي على الضغط على ايران لوقف تغذية أسلحتها باليورانيوم. وعلى رغم التقدم البطيء، باتت الجهود الدبلوماسية أكثر فعالية. ليست الحكومة الاسرائيلية متفقة فقط على ان ايران تشكل خطراً على أمن اسرائيل ومصالحها، بل على انه يجب إزالة هذا الخطر من دون أي هجوم عسكري.
ومنذ ان تبنّى مجلس الأمن قرار 1737 الذي يعلّق نشـــــــاط ايــــــــران النووي، أظهرت ايران امتعاضها، إلا انه في الأســــــــــابيع الفائتة تزايدت الآمال باستعداد ايران لاستئناف المفاوضات على رغم ان أحمدي نــــــجاد أعلن انـــــه لن يوقف برنامج تغذية اليورانيوم.
ان فشل المفاوضات الدبلوماسية وضغط مجلس الأمن قد يعطي الولايات المتحدة واسرائيل مبرراً للهجوم العسكري على ايران حيث ان اسرائيل قد لا تكون قادرة على تدمير برنامج ايران النووي بأسره، لكن القوات الجوية الاسرائيلية قادرة على إعاقته. ونظراً إلى ان هجوماً كهذا سيضطر اسرائيل إلى ان تحصل على الإذن لإعادة تعبئة الوقود في المنطقة، فإن هذا الموضوع يزيد من صعوبة القرار والموقف. وإن انتشار المواقع النووية الايرانية المحصّنة والردّين الايراني والدولي المحتملين، تستبعد احتمال الهجوم. ان عملية كهذه تحتاج إلى موافقة أميركا وتعاونها لأنه حتى في حال النجاح ستكون العواقب وخيمة.
أحد خيارات ايران هو الرد على اسرائيل، وخاصة تل أبيب وحيفا، والقواعد الأميركية في الخليج والعراق وحلفاء أميركا كالسعودية والبحرين وقطر بصواريخ ذات رؤوس حربية قد تزن 1000 كلغ. وإن استهداف المعامل البتروكيماوية وخزانات الوقود في حيفا قد يسبب كارثة بيئية.
بما أنّ 40% من النفط في العالم يمر عبر مضيق هرمز، فإنّ الخيار الثاني لإيران هو منع تصدير البترول الخليجي المارّ عبر هذا المضيق، ما سيرفع أسعار النفط بشكل هائل. وبهذا ستسبب إيران خلافاً بين الجنود الأميركيين والأغلبية الشيعية في العراق وتزيد من عدد الضحايا بين جنود القوى المتعددة الجنسيات.
الاحتمال الثالث لإيران هو زعزعة الاستقرار في السعودية أو بعض دول الخليج من خلال نسبة الشيعة المرتفعة. ويمكن إيران ان تشجع حزب الله على خرق وقف إطلاق النار وإطلاق الصواريخ على شمال اسرائيل.
أما الخيار الرابع فهو تقديم الدعم المادي والتدريب العسكري والأسلحة للمنظمات الفلسطينية وحزب الله وميليشيات أخرى في إفريقيا ووسط آسيا.
ممكن ان تعتقد اسرائيل ان الهجوم على إيران يستحق العناء لمنعها من حيازة أسلحة نووية، إلا ان موقفاً كهذا يعتبر غير ملائم إن تعرضت اسرائيل لقصف الصواريخ الايرانية وتحولت المنطقة إلى مخيم أكثر تطرفاً ضد اسرائيل. وسيكون ذلك على حساب الأطراف الأكثر اعتدالاً لأن المسلمين سيعتبرون ذلك اعتداءً على الإسلام، كما في العراق ولبنان، وسيضطرون إلى معارضة أي معتدٍ، وخاصة اسرائيل.
* رئيس قسم العلاقات الدولية في مركز خرّيجي وبستر
ترجمة زينة خطيب أبو غيدا