علوان أمين الدين *
تطرق القسم الأول من هذه الدراسة إلى خمسة عناوين أساسية: التعاون مع المحكمة، تعيين القضاة وردّهم، المدّعي العام، سلطة قاضي التحقيق، وعدم جواز المحاكمة على الجرم عينه مرتين...
وفي ما يلي نستكمل القسم الثاني.
6 ــ موانع المسؤولية:
لم ينص نظام المحكمة عليها ولكن أُشير إليها عرضاً في المادة 3/3 حيث نصت على أن:
«لا يعفى مرتكب الجريمة من المسؤولية الجنائية لكونه تصرف بأمر من رئيسه، إلا أنه يجوز للمحكمة الخاصة أن تنظر في تخفيف العقوبة إذا رأت في ذلك استيفاء لمقتضيات العدالة».
إن الخطأ الكبير الذي وقع فيه واضعو النص هو أن موانع المسؤولية تثبَّت عبر نصوص قانونية ولا تعود لمزاج القاضي أو تقدير المحكمة. إن النص على أسباب موانع المسؤولية هو أمر أساسي اعترفت به النظم القانونية الجنائية الحديثة لكونه يتوافق مع العدالة الجنائية والقوانين الوطنية.
في قانون العقوبات اللبناني، نُصّ على الإكراه المعنوي (المادة 227)، وحالة الضرورة (المادة 229)، والجنون (المادة 231)، والعته (كسبب لتخفيف العقوبة في المادة 233)، والسُكر والتسمم بالمخدرات (إعفاء كامل في حال السكر لسبب طارئ أو قوة قاهرة سببت فقدان الوعي والإرادة ــ المادة 235).
ولقد نص نظام روما الأساسي على الجنون (المادة 31/1/أ)، والسُكر الاضطراري (المادة 31/1/ب)، وحالتي الإكراه والضرورة (المادة 31/1/د)، وأوامر الرئيس (المادة 33).
من الضروري أن توضع لائحة بموانع المسؤولية وإخراجها من التقدير الشخصي للقضاة أو المحكمة.
7 ــ إعادة النظر:
نص النظام على إجراءات إعادة المحاكمة من دون النصّ على مدَّة معينة لها، وهذا يعتبر قصوراً في النظام وخصوصاً أن للمحكمة مدة محددة قد تُجدّد، والجرائم التي تنظر فيها هي جرائم تخضع للتقادم وسوف نشرح ذلك عند الحديث عن العفو.
وبالنظر إلى نظام المحكمة الجنائية الدولية نرى أنه لم يضع مدة زمنية محددة، ومردّ ذلك يعود إلى طبيعة المحكمة لكونها دائمة غير موقتة، فقد نصت المادة 84/1 على أنه:
«يجوز للشخص المُدان ويجوز، بعد وفاته، للزوج أو الأولاد أو الوالدين، أو أي شخص من الأحياء يكون وقت وفاة المتهم قد تلقى بذلك تعليمات خطية صريحة منه، أو المدعي العام نيابة عن الشخص، أن يقدم طلباً إلى دائرة الاستئناف لإعادة النظر في الحكم النهائي (الصادر) بالإدانة أو بالعقوبة...».
8 ــ العفو:
لقد نصت المادة 6 من نظام المحكمة الخاصة على ما يلي:
«لا يحول العفو الممنوح لأي شخص عن أي جريمة تدخل في اختصاص المحكمة الخاصة دون محاكمة ذلك الشخص».
وتنص المادة 16 من الاتفاق على ما يلي:
«تتعهد الحكومة بعدم إصدار عفو عام في حق أي شخص يرتكب أي جريمة تدخل ضمن اختصاص المحكمة الخاصة. والعفو الصادر في حق أي من هؤلاء أو في خصوص أي من هذه الجرائم لا يحول دون المحاكمة».
لقد وقع واضعو النص في خطأ جسيم عند صياغة هذه المادة إذ إن من يصدر العفو (سواء العفو العام المذكور في نص المادة 150 من قانون العقوبات اللبناني أو العفو الخاص المذكور في نص المادة 152) ليس الحكومة. فالعفو العام يصدره مجلس النواب بقانون والعفو الخاص يصدره رئيس الجمهورية بمرسوم ولا دخل للحكومة في كلا الأمرين. كان من الأجدى أن يكون النص على الشكل التالي:
«تتعهد الحكومة بعدم تقديم مشروع قانون عفو عام في حق أي شخص يرتكب...».
بالإضافة إلى ما سبق، إن النص على إلغاء العفو (سواء العام أو الخاص) هو مخالفة للدستور أولاً، وهو مخالف للنظام نفسه لكون الجرائم التي وقعت صُنّفت تحت بند الجرائم العادية لا الدولية. ففي الحالة الأولى يجوز إصدار عفو عام أو خاص، أما في الحالة الثانية فلا يجوز. ناهيك أيضاً بأن الجرائم العادية تسقط بمرور الزمن على عكس الجرائم الدولية التي لا يسري عليها مرور الوقت. ولذلك ينتج العفو مفاعيله في الحالة الأولى ولا ينتجها في الحالة الثانية.
وفي الختام، يتبين من خلال هذا النظام ــ وخصوصاً بعد دراسة وضع القضاة اللبنانيين ودورهم وكل ما يتعلق بهم ــ أن هذه المحكمة هي «محكمة دولية ذات طابع لبناني» لا العكس.
* باحث في العلاقات القانونية والدولية