ميلود بن غربي *
بعد السنغال أتى دور جارته الشمالية موريتانيا لتجري انتخاباتها الرئاسية، وإن لم تحسم في الدور الأول مثلما جرى في السنغال الذي تمت فيه الانتخابات في 25 شباط 2005 وأدت إلى فوز الرئيس السنغالي عبد الله واد المنتهية ولايته. بينما كان الانتقال إلى الدور الثاني في الانتخابات الرئاسية الموريتانية علامة إيجابية فاصلة تؤكد إلى حد بعيد نزاهة الانتخابات التي تقدم لها تسعة عشر شخصاً لشغل كرسي الرئاسة، بعدما وفى رئيس المجلس العسكري العقيد أعلى ولد محمد فال بجميع التزاماته التي كان قد وعد بها منذ الانقلاب العسكري على نظام معاوية ولد سيد أحمد الطايع في آب 2005، ولم يبق له إلا ترقب من سيختار الشعب الموريتاني في 25 آذار الجاري من بين المرشحين سيدي ولد الشــــــيخ عبد الله أو أحمد ولد اده ليسلمه السلطة.
يُعَدُّ سيدي ولد الشيخ عبد الله الذي حصل على نسبة 24.79% وأحمد ولد اده الذي حصل على نسبة 20.68% في الجولة الأولى من الإنـــــــــــتخابات الرئاسية الموريتانية التي جرت في 11 آذار 2007 مــــــــــمثلين فعليين للتياريين المتنافسين على الساحة السياسية الموريتانية، فالأول كان مدعوماً من الغالبية الرئاسية السابقة المتحالفة في «الميثاق»، أما أحمد ولد اده فكان مدعوماً من ائتلاف المعارضة السابقة، وبالرغم من ذلك فإنَّ سمات وتجـارب كل من المرشحين لا تقع على طرف نقيض من الآخر، فكلاهما في العقد السادس من العمر ومن غير المنتمين بالولادة أو النشأة إلى عاصمة البلاد نواكشوط، وهما ممن تعمق في دراسة الاقتصاد، وشغل مناصب هامة في الدولة الموريتانية أو في المؤسسات المالية العالمية.
فقد عُين سيدي ولد الشيخ عبد الله مديراً للتخطيط الاقتصادي في موريتانيا فور عودته عام 1968 من فرنسا بعد حصوله على شهادة الدراسات المعمقة في الاقتصاد، ثم تولى عدة مناصب وزارية على مدى عقد من الزمن، زيادة على عمله في الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية. أما بالنسبة إلى أحمد ولد اده المتحصل على ليسانس في الاقتصاد من جامعة السوربون عام 1967 فقد عمل مستشاراً اقتصادياً ومالياً ما بين 1973 و1978 لأخيه غير الشقيق المختار ولد اده الرئيس الأسبق لموريتانيا، وعلى أثر الانقلاب الذي أطاح مختار ولد اده تم سجنه، وبعد إطلاق سراحه اشتغل خبيراً في صندوق النقد الدولي وعدة مؤسسات مالية عربية وأفريقية.
لقد قام العقيد مصطفى ولد محمد السالك في عام 1979 بإطاحة المختار ولد اده، وترأس لجنة الإنقاذ الوطني، التي تعهدت حل المشاكل التي تعانيها البلاد، لكن الأمور لم تسر كما كان يتوقع، إذ ما لبث العقيد أحمد بو سيف أن أطاحه في انقلاب أبيض، وبعد أقل من شهرين مات بو سيف في حادث تحطم طائرة، فـــــتم تعيين مجلس عسكري وأصبح العقيد محمود ولد ولي رئـــــيساً للبلاد. وفي عام 1980 تولى العقيد ولد هيدالة السلطة بعد عزله لولد ولي، التي مكث فيها إلى غاية إطاحته من طرف معاوية ولد سيد أحمد الطايع في عام 1984، هذا الأخير الذي أدخل موريتانيا منذ بداية التسعينيات من القرن المنصرم عالم الانفتاح السياسي بإصداره دستوراً تعددياً، أُسست على أساسه عشرات الأحزاب السياسية، والعديد من الصحف المستقلة، وتم إجراء العديد من الاستحقاقات كالانتخابات الرئاسية (1992 ــــــ 1997 ــــــ 2003) والنيابية (1990 ــــــ 1994 ــــــ 2001)، إلا أنَّ كل تلك المظاهر الديموقراطية في حقيقتها لم تكن إلا ذراً للرماد في العيون، ولم تزد على كونها ذات طابع احتفائي شكلي أراد منه القائمون على النظام السابق، وعلى رأسهم العقيد معاوية ولد الطايع أن تكون مجرد أداة لامتصاص الضغوط الخارجية والداخلية، وهو الأسلوب الذي اعتمدته في الواقع مجمل الأنظمة العربية بانبلاج عصر العولمة لتنأى بنفسها عن شبح النقد، ولو باعتماد الديموقراطية الصورية.
فالديموقراطية الفعلية التي تحتاج إليها موريتانيا تعتمد بالأساس على وجود نظام قضائي مستقل عن السلطة السياسية، ووجود إعلام حر يمثل مختلف التوجهات والرؤى، والتزام مبدأ التداول على السلطة، ووجود معارضة منظمة تحترم مؤسسات الدولة، ووجود الانتخابات الحرة والنزيهة. هذه المعطيات الأساسية هي التي اضطلع المجلس العسكري للعدالة والديموقراطية على تحقيقها من خلال إعداد إحصاء إداري ذي طابع انتخابي لإيجاد لائحة انتخابية جديدة تتفادى كل مساوئ اللوائح الانتخابية السابقة، وإجراء تعديلات واسعة ومهمة على عدد من القوانين النظامية التي كان من أبرزها قانون الانتخاب والقضاء والصحافة، زيادة على تعديل دستوري هام يتمثل في منع رئيس الجمهورية البقاء في سدة الحكم لأكثر من فترتين رئاسيتين والتزامه عدم ممارسة أي دور حزبي أثناء توليه مهامه الرئاسية.
بناء على ما تقدم سيقع حتماً على عاتق الرئيس المقبل لموريتانيا التي تتجاوز مساحتها مليون كم2 ويبلغ عدد سكانها 3.283.000 نسمة العديد من التحديات، التي قد يكون من أهمها مجابهة الفقر المستفحل، إذ إن ثلثي السكان يعيشون تحت خط الفقر في هذا البلد الصحراوي الغني بمختلف أنواع الثروات الطبيعية، والمفتقر بالموازاة مع ذلك إلى البنية التحتية في مختلف القطاعات كالصناعة والصحة والتعليم والسكن والمواصلات وغيرها، وهو ما يحتاج هنا إلى إرادة صلبة للنهوض بالمجتمع الموريتاني، فهل سيقدر الرئيس الموريتاني المقبل الوفاء ببرامجه التي وعد بها ويستكمل ما بدأه العقيد أعلى ولد فال الذي وعد ووفى؟ وهل يؤثر دخول موريتانيا آنذاك إلى نادي الديموقراطيات في باقي جاراتها الشمالية؟
* كاتب عربي