إيلي شلهوب
كوندوليزا رايس في المنطقة. هذه زيارتها الرابعة خلال أربعة أشهر. تقارب في إطلالاتها يعكس مدى الأهمية التي تعطيها إدارة جورج بوش لأزمات الشرق الأوسط.
جولة عنوانها «الأفق السياسي». باتت سيدة الدبلوماسية الأميركية مقتنعة، على ما يبدو، بضرورة إعادة القضية الفلسطينية إلى الحضن العربي، أو على الأقل إلى الجزء «المعتدل» منه.
تطرح مقاربة جديدة: القفز فوراً إلى مناقشة ترتيبات الوضع النهائي (الحدود والقدس واللاجئين). ألمحت إلى أن الولايات المتحدة قد تضع تصوّرها الخاص لوضع كهذا. طرح يشكل قطعاً مع المقاربة التقليدية لواشنطن، «دبلوماسية خطوة ــ خطوة»، التي أرساها هنري كيسنجر في سبعينيات القرن الماضي. وتصوّر سيكون الأول من نوعه لإدارة بوش، التي امتنعت حتى اليوم عن الخوض في تفاصيل التسوية المحتملة.
تعرض رؤية مختلفة وهي إيجاد أفق سياسي متبادل:
الأول للفلسطينيين، قوامه دولة قابلة للحياة. بدأت رايس تناقش مع مجموعة أبو مازن الرؤية الفلسطينية لدولة كهذه والترتيبات الأمنية فيها (علماً أنها ستكون منزوعة السلاح)، وطبيعة السلطة التي ستحكمها، وسبل ضمان استمراريتها والمساعدات التقنية والمالية لوزاراتها.
أما «الأفق» الثاني فللإسرائيليين، وعلى العرب واجب تقديمه عبر تعديل مبادرتهم (التي أقرتها قمة بيروت عام 2002) بما يستجيب للمطالب الإسرائيلية، واتخاذ خطوات انتقالية على شاكلة إنهاء الحملات الدعائية «العدائية» وتبادل الممثليات التجارية، وغيرها من الاتصالات، مع تل أبيب.
تعتمد معادلة من نوع آخر: 4 + 2 + 4 (بحسب توصيف غلين كيسلر): الأربعة الأولى هي «الرباعية العربية» أو ما يعرف بالدول المعتدلة (مصر والسعودية والإمارات والأردن). رباعية ترى فيها رايس قوة ذات وزن في جامعة الدول العربية. تريد منها تسويق رؤيتها للتسوية في المنطقة، والعمل على تعديل المبادرة العربية بما يوفّر حلّ معضلة اللاجئين من خلال «تسوية متفق عليها»، وتقديم الدعم للفلسطينيين (المالي وغيره). وهي تسعى جاهدة لتحقيق اختراق بجمع السعوديين علناً مع الإسرائيليين.
الـ 2 هما إسرائيل والفلسطينيون. وهما الحلقة الأضعف في المعادلة، فإيهود أولمرت يواجه من المشاكل في الداخل ما يكفي ليجعله عاجزاً، وكذلك محمود عباس مكبّل اليدين بمجلس تشريعي موالٍ لحركة حماس، وحكومة وحدة لا تخرج عن طوعها.
أما الـ 4 الثانية فهي «الرباعية الدولية» (الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا). ومهمتها وضع سياسات لمساعدة الفلسطينيين وتوفير الدعم الدولي لجهود رايس.
مشروع متكامل، ما كان ممكناً له أن يكون لولا نكسات ثلاث منيت بها واشنطن في المنطقة: المستنقع العراقي، وفشل العدوان الإسرائيلي على لبنان، وتمكّن حماس من الصمود في وجه الحصار. من إرهاصاته موافقة بوش على محاورة دمشق وطهران.
استهدافاته متعددة، بعضها أميركي داخلي بامتياز، وبعضها الآخر يقضي بإعادة ترتيب أوضاع المنطقة بما يؤمن المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة.
تتصرف كوندي وكأن إدارتها قررت تخصيص الأشهر الـ21 المتبقية لها في السلطة من أجل حل الصراع العربي ــ الإسرائيلي. توجّه لا شك في أنه يحمل في طيّاته طموحاً شخصياً لرايس، التي يبدو واضحاً أنها تسعى لتحقيق إنجاز ما يضعها في مصاف كبار وزراء الخارجية عندما تغادر منصبها نهاية عام 2008. لكنه لا يعكس توحّد إدارة بوش في شأن كيفية مقاربة أزمات المنطقة، بل هو فوز مؤقت لدعاة «تغيير السلوك» على دعاة «تغيير الأنظمة»، تُشكل طريقة التعاطي مع الملف الإيراني أبهى تعبيراته... لكنه فوز لن يمنع بوش بالضرورة من خوض مغامرة عسكرية جديدة!