محمد شري *
الموقف الروسي الذي عبّر عنه أخيراً مصدر مقرّب من الكرملين تجاه طهران وقال فيه «إن امتلاك إيران قنبلة نووية أو قدرة على صنعها أمر غير مقبول بالنسبة إلينا ولن نلعب معهم لعبة معاداة أميركا»، والذي جاء عقب الإعلان الروسي عن وقف العمل في تشغيل مفاعل بوشهر ووقف شحنات الوقود اللازم لهذه المحطة، وتبعه صدور القرار 1747 عن مجلس الأمن الذي يقضي بفرض مزيد من العقوبات على طهران بعد القرار 1737.
هذا الموقف الروسي اعتبره البعض انقلاباً روسياً على علاقاتها مع طهران، فيما أن قراءة موضوعية للعلاقات الروسية ــ الإيرانية لا تشير الى أي انقلاب أو تحوّل، إذ لم يرد في الأدبيات الروسية تجاه طهران في كل مراحل التعاون السابق بينهما ما يعارض كلام المصدر الروسي، بل على العكس فإن هذا الكلام الروسي الواضح والصريح يعبّر عن حقيقة الموقف الروسي والسقف الذي يحكم تعامله مع الجمهورية الإسلامية في إيران.
من وجهة استراتيجية تستند إلى حقائق الجغرافيا والتاريخ والتمايز الديني والعرقي والحضاري، فإن العلاقة الروسية ــ الإيرانية تميل الى التعارض أكثر منها الى الاتفاق ومحكومة بهواجس متبادلة بفعل تطلّع روسيا إلى الوصول الى المياه الدافئة في الخليج وتطلّع إيران إلى الوصول والتواصل مع الجمهوريات الإسلامية في جنوب روسيا. إلا أن انتصار الثورة الإسلامية عام 1979 وخروج إيران من الفلك الأميركي فتحا أفقاً لعلاقات ثنائية فرضها التقاطع في مواجهة التحدي الأميركي المشترك. لكن هذه العلاقات لم تتطور لتصبح علاقات استراتيجية على رغم صفقات الأسلحة الروسية الدفاعية وعلى رغم التعاون الوثيق في الملف النووي.
إن أقصى طموح موسكو في العلاقة مع طهران هو أن تبقى العاصمة الإيرانية خارج الفلك الأميركي ومصدراً للعوائد المالية المهمة على أن يحكم هذه العلاقة سقف لا يمكن لروسيا أن تسمح بتجاوزه وهو أن تبلغ إيران مستوى من القدرة الاستراتيجية تتيح لها الاستغناء عن المساعدة الروسية بحيث تتحول الى قطب إقليمي قادر وطامح إلى ممارسة أدوار إقليمية واسعة النطاق تطال المدى الحيوي لروسيا.
وإذا كانت واشنطن ترفض حيازة إيران الإسلامية القنبلة النووية أو القدرة على صناعتها بسبب إسلامية النظام الحاكم في طهران، فإن روسيا ترفض ذلك من ناحية المبدأ بغض النظر عن النظام الحاكم في طهران وذلك بفعل الجوار الجغرافي وتداخل المصالح بين البلدين.
وبالتالي فإن موقف المقرّب من الكرملين ليس موقفاً عابراً بقدر ما هو موقف حقيقي ثابت وحاسم، وروسيا بتعاونها النووي والعسكري مع طهران ترغب في الاستفادة في اتجاهين:
الأول: العوائد المالية من خلال العقود المباشرة في صفقات الأسلحة وفي بناء المفاعلات النووية السلمية وهي مبالغ بمليارات الدولارات. والثاني: الاستفادة السياسية بحيث تكون موسكو مؤثرة ومتحكّمة في مستوى التسلّح الإيراني كما في حركة المشروع النووي الإيراني، وهو ما تترجمه روسيا عملياً من خلال تحكّمها بمستلزمات مفاعل بوشهر الذي مضى على البدء به نحو 30 سنة ولمّا ينتهِ. لذلك رهان البعض على موقف روسي يمنع الولايات المتحدة ومجلس الأمن من تشديد العقوبات وصولاً الى العدوان العسكري الأميركي فيما لو تطوّر موقف التحدي، أمر في غير مكانه على الإطلاق.
لقد أملت موسكو أن تستفيد من الضغط الغربي على طهران بحيث تكون هي المدخل للحل والتزام مدّ إيران بالوقود النووي اللازم لمنشآتها، لكن التحفّظ الإيراني على هذه المقترحات وإصرار إيران على امتلاك الدورة النووية الكاملة أمر لن تقبل به موسكو ولعله يزعج موسكو أكثر مما قد يزعج واشنطن.
إن طهران بلا أدنى شك تعرف حدود علاقاتها مع موسكو ولم تكن في أي حال في وارد استبدال النفوذ الروسي بالنفوذ الأميركي.
والفارق في رسم حدود علاقة طهران بكل من واشنطن وموسكو أن التعارض الروسي ــ الإيراني يبدو تعارضاً جيوسياسياً له بعد استراتيجي على رغم التعاون التكتيكي بين البلدين، فيما التعارض الأميركي ــ الإيراني هو تعارض وتناقض سياسي بامتياز مرتبط كلياً بطبيعة الأنظمة الحاكمة وسياستها في طهران وواشنطن، والكل يذكر أن العلاقة الأميركية ــ الإيرانية قبل انتصار الثورة كانت علاقة استراتيجية بالكامل وأن أساس المشروع النووي الإيراني كان أساساً غربياً.
إن الواقع الجغرافي الذي تحتله إيران باعتبارها الحاجز الفاصل بين روسيا والحياة الدافئة في الخليج وبما فيها من ثروات، يجعل الولايات المتحدة في وضع حرج، فهي ليست في وارد إسقاط الدولة في إيران بقدر ما هي في صدد تغيير أو إسقاط النظام الحاكم فيها.
ولا مانع أميركياً من أن تكون إيران قوية، بل لعله مطلوب أن تكون إيران قوية على النسق التركي القوي بالحلف الأطلسي أو النسق الباكستاني القوي بالقنبلة الذرية، وهما جارا إيران من الغرب والشرق.
هي إذاً لعبة توازنات وحسابات دقيقة تمارسها طهران بمهارة إلا أنها اليوم في وضع دقيق وخطير بحيث تواجه إمكانية اتفاق الكبار على منعها من الدخول في النادي النووي الدولي، وستكون محاولتها الراهنة امتلاك قدرة نووية كاملة في المدى القريب أمر محفوف بالمخاطر الجدية، وسيكون عليها إدراك ما هو ممكن وما هو غير ممكن في هذا المدى القريب.
وكما يعترف الجميع فإن لدى طهران من الحكمة والمرونة ما يدفع للثقة بأنها قادرة على التعامل مع هذا الواقع الدولي وفق قاعدة يعرفها الإيرانيون جيداً وهي التقدم خطوتين ومن ثم التراجع خطوة واحدة، وخصوصاً أن طهران سجّلت في الأعوام الأخيرة أكثر من خطوتين في أكثر من مجال.
* اعلامي لبناني