خورشيد دلي *
قبل أيام قليلة من القمة العربية حطت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس رحالها في المنطقة في جولة هي الثالثة لها خلال العام الحالي، أي بمعدل جولة كل شهر، الرسالة الأهم التي وجّهتها رايس خلال جولتها هذه هي جعل مبادرة السلام العربية التي أقرتها قمة بيروت العربية عام 2002 محور اهتمام قمة الرياض، وذلك بعدما طلبت إسرائيل تعديل بعض بنود المبادرة كي تتمكن من الأخذ بها.
بداية، السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هو: ما هي البنود التي تريد إسرائيل تعديلها من المبادرة؟ الجواب ــ حسب الصحافة والمسؤولين الإسرائيليين ــ هو أن إسرائيل تريد تعديل بندين كي تصبح المبادرة مقبولة، والبندان هما: تعديل حق عودة اللاجئين الفلسطينيين، إذ من المعروف ان المبادرة العربية دعت إلى حل مشكلة هؤلاء اللاجئين وفقاً للقرارات الدولية، أي القرار الدولي 194 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي يدعو إلى عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، وذلك من خلال اتفاق بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي في إطار القضايا النهائية لحل الصراع، بينما تريد إسرائيل صيغة جديدة تقوم على انه لا عودة للاجئين الفلسطينيين إلى أراضي عام 1948، وخاصة بعدما تم تحويل معظم المدن والبلدات الفلسطينية إلى مدن ومستوطنات إسرائيلية، وبالتالي ان يكون حق العودة محصوراً في بعض أراضي عام 1967 ووفقاً لشروط محددة يتم الاتفاق في شأنها بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني في إطار بحث مسألة إقامة الدولة الفلسطينية. أما البند الثاني فيتعلق بحدود الرابع من حزيران عام 1967 كأساس لحل الصراع العربي ــ الإسرائيلي سلمياً، بما يعني ذلك اعترافاً عربياً كاملاً بإسرائيل وتطبيعاً للعلاقات معها، وجوهر المسألة هنا هو ان إسرائيل تقصد من وراء تعديل هذا البند جعل الأراضي العربية التي احتلتها عام 1967 الأساس للتوصل إلى اتفاق في شأن عملية السلام، لا حدود عام 1967 كحدود للانسحاب منها، وبين الأمرين فارق كبير. باختصار شديد، تريد إسرائيل من تعديل المبادرة العربية التخلص من القرارات الدولية 242 و338 و194 التي انطلق منها مؤتمر مدريد للسلام في الشرق الأوسط عام 1991، وإيجاد واقع جديد لتسوية الصراع العربي ــ الإسرائيلي، وإذا تمكنت من ذلك فسيعني نسف مضمون المبادرة العربية بعدما عدّها العرب خلال قمة بيروت أفضل صيغة ممكنة لحل الصراع مع إسرائيل منذ عام 1948، وعلّقوا عليها الكثير من الآمال.
اللافت هنا، أنه ما إن طرحت إسرائيل هذه الأفكار في شأن المبادرة العربية بعدما رفضتها طوال السنوات الماضية بل قال عنها أرييل شارون حين إقرارها إن مكانها الطبيعي هو سلة المهملات كما هي حال قرارات القمم العربية.. اللافت هو انتقال مركز الاهتمام إلى الدبلوماسية الأميركية متمثلة في السيدة رايس التي نسيت أو تناست موقتاً الوضع في العراق والأزمة مع إيران وأصبح شغلها الشاغل هو كيفية دفع الدول العربية خلال قمة الرياض إلى تعديل المبادرة العربية تحت عنوان تفعيلها لا تعديلها ولا تغييرها، وقد دشّنت رايس هذا التوجه رسمياً بإحياء صيغة الرباعية العربية (مصر ــ السعودية ــ الأردن ــ الإمارات) في أسوان إلى جانب الرباعية الدولية، وبين الرباعيتين هناك الثنائية (إسرائيل والسلطة الفلسطينية) والهدف من كل هذا خلق ما يشبه إطار دولي ــ عربي ضاغط يكون له مفاعيل سلبية على الواقع العربي لجهة الحقوق والمقاومة وسط استمرار الهجمة الأميركية على المنطقة، والخطورة هنا لا تتعلق بدعوات إسرائيل لتعديل المبادرة العربية، فسياسة إسرائيل باتت معروفة للجميع، ولكن الخطورة هنا تكمن في أن يصار خلال قمة الرياض إلى إثارة مسألة تعديل المبادرة العربية وأن تحاول بعض الدول العربية تبنّي هذا التعديل باسم إمكانية تحقيق السلام في منطقة الشرق الأوسط (مع ان التصريحات الرسمية العربية، وخاصة تلك الصادرة عن جامعة الدول العربية، تنفي أي نية تعديل للمبادرة العربية)، ولعل ما يشجع على طرح هذه المخاوف هو أن يكون الالتفاف على المبادرة من باب تفعيلها من خلال تأليف لجنة عربية ــ كما يقال ــ هدفها تسويق المبادرة العربية في المحافل الدولية ليصار بعد ذلك إلى تبنّي مجلس الأمن هذه المبادرة بصيغة جديدة، تقوم على إعادة صياغة الالتزامات المتبادلة بين الدول العربية وإسرائيل، أساسها الاعتراف العربي الكامل بإسرائيل والتطبيع معها مقابل حقوق عربية منقوصة، وإذا كانت بوابة رايس لدفع العرب في هذا الاتجاه هي الضغط على إسرائيل للتلويح بدولة فلسطينية طال انتظارها فإن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون هو الآخر وجّه رسالة إلى القمة العربية عندما أعلن خلال جولته في المنطقة عشية القمة أنه لن يلتقي رئيس الوزراء الفلسطيني إسماعيل هنية بوصفه يمثل حركة مطلوب منها الاعتراف بإسرائيل ونبذ العنف والالتزام بالاتفاقات التي وقّعتها السلطة الفلسطينية مع إسرائيل والتي هي جميعها شروط الرباعية الدولية. ورسالة مون كانت موجّهة إلى قمة الرياض أكثر مما كانت موجّهة إلى حماس، ومفاد الرسالة ان الأموال والأبواب والمحافل ستبقى مغلقة أمام الحكومة الفلسطينية إذا بقيت حماس على مواقفها وان المطلوب من القمة هو دفع أو مساعدة حماس على مراجعة مواقفها السياسية من إسرائيل ومسألة الاعتراف بها. أبعد من رسالة رايس إلى القمة العربية في الرياض ثمة رسالة تريد رايس قولها لدول (الاعتدال العربي) من وراء جهدها الحثيث لإعطاء الأمل بدولة فلسطينية، ورسالتها هنا هي ان الطريق إلى الدولة الفلسطينية وحل الصراع العربي ــ الإسرائيلي له علاقة وثيقة بالملف النووي الإيراني، بعبارة أخرى تسوية الصراع العربي ــ الإسرائيلي مقابل وقوف العرب إلى جانب الحملة الأميركية ضد إيران التي تحضّر لها السيناريوهات العسكرية بعد تشديد العقوبات عليها، هي صيغة سبق ان فرضها جورج بوش الأب على العرب في حرب الخليج الأولى عام 1991 على نظام صدام حسين مقابل مؤتمر مدريد، وكررها تشيني في الحرب الأخيرة على العراق مقابل إطلاق خطة خريطة الطريق وتريد رايس تكرارها مع الملف الإيراني باسم الدولة الفلسطينية. مع الرسائل الأميركية التي وصلت إلى الدول العربية عشية قمة الرياض من الصعب القول إنها (القمة) هي قمة الآمال العربية أو مواجهة التحديات كما تقول معظم وسائل الإعلام العربية، وما على الجميع إلا الانتظار قليلاً لمعرفة العنوان الذي يمكن إطلاقه على قمة تنعقد في أعقد الظروف في المنطقة، من دارفور مروراً بلبنان وفلسطين والعراق وصولاً إلى الملف النووي الإيراني.
* كاتب سوري