حسين عبد العزيز *
بحلول الثامن والعشرين من الشهر الجاري يكون عدد القمم العربية قد بلغ 31 قمة، 19 منها عادية و12 أخرى طارئة أو استثنائية، ومع كل قمة عربية كان الشارع العربي يتساءل: هل بوسع القادة العرب إنجاز ما عجزوا عن إنجازه في القمم السابقة والارتقاء إلى مستوى التحديات التي تواجه الأمة العربية؟ هذا السؤال يطرح اليوم، أكثر من أي وقت مضى، لأسباب ثلاثة: الأول عمق الأزمات التي تهدد الأمن القومي العربي، بدءاً من فلسطين وما يطرح اليوم من تعديل للمبادرة العربية، سواء بإزالة حق العودة للاجئين وإلغاء حق أساسي من حقوق العرب الفلسطينيين، أو في ما يتعلق بإلغاء حدود عام 67 كحدود دولية للدولة الفلسطينية المرجوة، مروراً بالعراق حيث الأوضاع المتفجرة التي قد تؤدي إلى حرب أهلية لا أحد قادر على التكهن بعواقبها على عموم الأمة، أو في لبنان وتداعياتها الداخلية المخيفة، والخارجية التي أسفرت عن شرخ سياسي بين دولتين رئيسيتين في الجامعة العربية (سوريا، السعودية). أما السبب الثاني الذي يدفع كثيراً من العرب إلى التساؤل عن إمكان نجاح هذه القمة، فهو الخلاف الحاصل بين الدول الرئيسية الثلاث في منظومة العمل العربي (سوريا، السعودية، مصر)، فلهذه الدول ثقل سياسي كبير داخل المنظومة العربية، حيث شكل التفاهم السياسي بين هذه الدول قاعدة لموقف عربي موحد تجاه كثير من القضايا، في وقت كانت الحالة العربية في أسوأ أحوالها، ويشكل السبب الأخير هذا تحدياً مضافاً إلى التحديات السابقة، إذ سمح الخلاف بينهم لأطراف خارجية بأن تكون جزءاً أساسياً من المشهد السياسي العربي اليومي، وذلك بطبيعة الأحوال على حساب المصالح العربية، ويعود السبب الثالث إلى ميزة مكان انعقاد القمة، والدور الذي يمكن أن تضطلع به المملكة العربية السعودية بحكم مكانتها التقليدية في منظومة العمل العربي من حيث كونها مركزاً للقرار الإقليمي في المنطقة.
لا شك أن حجم التحديات يجب أن يكون حافزاً ودافعاً قوياً للزعماء العرب للعمل قلباً واحداً ويداً واحدة كما أعلنوا في القمة العربية الأولى في أنشاص عام 1946، لكن يجب الفصل بين التمنيات وواقع الأشياء، فلسان الحال أفصح من لسان المقال، إذ إن حجم القضايا المطروحة على جدول أعمال القمة أكبر بكثير من قدرة العرب على حلها، وخصوصاً أنهم عجزوا في السابق عن حل قضايا بسيطة إذا ما قورنت بالقضايا المطروحة الآن. ولذلك علينا، بحكم التجربة التاريخية، أن نكون متواضعين جداً تجاه النتائج المتوخاة، فالتاريخ لا يكرر نفسه وإن فعل فيظهر في المرة الأولى كمأساة أي على نحو أصيل، وفي المرة الثانية كمهزلة. وتاريخ القمم العربية هو تاريخ متكرر يعيد نفسه باستمرار، ولهذا كان تاريخ مهازل بامتياز.
منذ القمة العربية الأولى وحتى قمة الخرطوم العام الماضي، اتسمت القمم العربية بسمات عدة، يسمح الاطّلاع عليها بمعرفة مبدئية لما يمكن أن تخرج به قمة الرياض المرتقبة.
1) تاريخها هو تاريخ أزمات، فلم تنعقد قمة واحدة إلا والأزمات تحيط بالعرب من كل حدب وصوب، سواء كانت أزمات داخلية أو خارجية مرتبطة بطرف من خارج العالم العربي.
2) البيانات الختامية الموسومة بالشجب والاستنكار والرفض من دون الارتقاء إلى مستوى الفعل الإيجابي المنتج لعمل سياسي موحد، حتى قمة الخرطوم ذات اللاءات الثلاث: لا صلح، لا تفاوض، لا اعتراف، هي بشكل من الأشكال موقف سلبي، اللهم قمة بغداد التي عقدت عام 1978 حين خرج العرب بقرار جماعي كان هذه المرة ضد دولة عربية هي مصر، تمثل بإخراجها من عضوية الجامعة العربية ونقل مقر الأمانة العامة للجامعة العربية إلى تونس نتيجة توقيعها صلحاً منفرداً مع إسرائيل (اتفاقية كامب ديفيد).
3) غياب كثير من الرؤساء والملوك العرب عن القمم، إذ لم يحدث أن جمعت قمة عربية واحدة كل الزعماء مع بعضهم البعض.
4) باستثناء قمة الرباط عام 1974، لم تشارك كافة الدول العربية مجتمعة في قمة واحدة من هذه القمم، حيث كان هناك عزوف عن حضور القمم من بعض الدول، كل لأسبابه.
5) اتساع حجم الأزمات العربية أفقياً وعمودياً، فمنذ أنشاص القمة العربية الأولى عام 1946 وحتى القمة المرتقبة في الرياض، هناك زيادة واضحة في رقعة الأزمات العربية، بعضها دائم كالأزمة الفلسطينية، وبعضها الآخر شبه دائم كالأزمة اللبنانية والعراقية، أو حالات منفردة وطارئة كأزمة دارفور والأزمة الصومالية وقبلهما الأزمة الجزائرية.
6) الخلافات العربية ـــ العربية هي أيضاً سمة دائمة لهذه القمم، حيث لم تعقد قمة واحدة على الإطلاق من دون وجود خلافات عميقة بين العرب، سواء كان الخلاف بين دولتين كما حصل بين الكويت والعراق، أو بين نهجين عربيين مختلفين، الأول راديكالي، والآخر معتدل.
7) فشل القمم في حلّ أي أزمة عربية.
8) معظم القمم جاءت كردود أفعال على أزمات، لا نتيجة استعداد وتحسب عربي.
9) التدخل الأميركي الدائم في صياغة البيانات الختامية للقمم العربية.
10) وهناك سمة أخرى يمكن إضافتها إلى السمات السابقة، وهي حالات الشجار بين الزعماء داخل القمة، التي أصبحت مبعثاً على التندر من قبل الشارع العربي. بناءً على هذه المعطيات، من الصعب أن تتحول القمم العربية فجأة إلى أداة لمواجهة ومعالجة المشاكل التي تواجه المنظومة العربية، أو القيام بخطوات احترازية وقائية وإيجاد آليات من شأنها الحيلولة دون اندلاع أزمات في المستقبل، فقوة العرب تكمن قبيل انعقاد القمة، في حين يبرز ضعفهم بعد انعقادها حيث يتم تجاوز قراراتهم بصورة اعتباطية وكأنها لم تكن أصلاً، الأمر الذي أدى إلى استهتار إسرائيلي وأميركي بكل قرارات القمم العربية، وخلق شعوراً باليأس لدى المواطن العربي الذي لم يعد يرى في هذه القمم سوى بروتوكول رسمي لا يقدم ولا يؤخر، ولذلك لا يتوقع أن تخرج قمة الرياض عن سياق القمم السابقة.
لا شك أن هناك إشارات مهمة جاءت من لبنان وفلسطين تبشر بإمكان حلحلة بعض الملفات العالقة، لكن المطلوب في هذه المرحلة الحرجة ليس إيجاد صيغ وسط لهذه الأزمة أو تلك، بل البحث عن حل عربي شامل يعزز الأمن الوطني العربي كجزء من الأمن القومي.
*كاتب عربي