كامل وزنة *
تعتمد الولايات المتحدة الأميركية بشكل كبير على حرية التحرّك في الفضاء لتطوير قدراتها وزيادة تأثيرها في القوى الاقتصادية والسياسية والعسكرية، وتمكينها من الحصول على المعرفة والاكتشافات، الأمر الذي ساهم في زيادة ازدهارها الاقتصادي وفي استكمال عمليات التجسس ومختلف القضايا التي تتعلق بالأمن القومي. ولهذه الغاية وضعت إدارة بوش استراتيجية جديدة لما يسمى «السياسة الفضائية في تموز 2006»، وأهم ما ورد في هذه الاستراتيجية:
أولاً: إصرار الولايات المتحدة الأميركية على الاستمرار في عمليات استخدام الفضاء الخارجي من خلال الأبحاث السلمية والعسكرية التي تخدم مصالحها الاقتصادية، الاستخبارية والعسكرية.
ثانياً: رفض الولايات المتحدة أي سيادة لأي دولة على الفضاء الخارجي أو على أيٍّ من الكواكب، واعتبارها أن من حقها الطبيعي العمل في الفضاء للحصول على المعلومات.
ثالثاً: استعداد الولايات المتحدة للتعاون مع بقية الدول للاستخدام السلمي للفضاء الخارجي ولأية أبحاث قد تؤدي الى حماية أو نشر الحرية في العالم.
رابعاً: حرية التحرك في الفضاء من دون أي تدخّلات، واعتبار أي اعتداء على نظامها الفضائي بمثابة الاعتداء على حقوقها الاستراتيجية، ما يعطيها الحق في اتخاذ كل المواقف لحماية قدراتها الفضائية.
خامساً: معارضة الولايات المتحدة لأي قانون يحدّ من حرية استخدام الفضاء، أو أي مقترح لمعاهدة الحدّ من عسكرة الفضاء، مع الإصرار على حقها في إجراء التجارب والأبحاث التي تخدم مصالح الأمن القومي الأميركي.
تؤكد هذه الاستراتيجية الجديدة أن العالم بدأ يتحرك من خلال هذه الأقمار الاصطناعية لنقل المعلومات وتطوير الشؤون الاقتصادية. فالولايات المتحدة تمتلك أكثر من نصف الأقمار الاصطناعية الموجودة في الفضاء التي يزيد عددها على 800 قمر اصطناعي، ما يوفّر حاجاتها الاستخبارية الخارجية عبر جمع المعلومات وتحليلها وإيصالها ونقلها، والقدرة على التحكم بالذبذبات الصوتية لأي موجات بث متعلقة بالقطاع الخاص أو الحكومي.
تراقب هذه الأقمار الاصطناعية تنفيذ المعاهدات التي تحدّ من التسلح، وتراقب التجارب النووية، وتساهم في جمع الخرائط والمعلومات التي تُستخدم في الدفاع وقضايا أخرى.
فهل يمكن الولايات المتحدة أن تستمر في السيطرة شبه الكاملة على الفضاء التي توفر لها إدارة شبكات الإنترنت والاتصالات والبورصات العالمية والصواريخ الدفاعية والأسلحة الذكية مثل قاذفات ب 52 وصواريخ التوما هوك وطائرات الأواكس والطائرات الأميركية الهجومية؟ أم ما قامت به الصين عبر إطلاق صاروخ استهدف أحد أقمارها القديمة القريب من الأقمار الاصطناعية الأميركية المخصصة للتجسس وإدارة أنظمة الصواريخ الدفاعية، سيكون بمثابة الشرارة الأولى لبدء عسكرة الفضاء وكسر الاحتكار الأميركي له؟
وهل تصبح الأقمار الاصطناعية الموجودة في الفضاء مهددة؟ وبهذا فإن أي حرب مقبلة يكون عمادها كيفية تعطيل أجهزة الرصد والتوجيه، سوف تعتبرها أميركا خطراً على أمنها القومي. وهذا ما حذّر منه الرئيس بوش من خلال وضع إدارته سياسة فضائية تؤكد عبرها حق أميركا في الدفاع عن نفسها في الفضاء.
وهكذا تجد الولايات المتحدة نفسها أمام حقبة جديدة عمادها الإنفاق على حرب جديدة، حرب النجوم لمواجهة الخطر الصيني.
يُذكر أن حرب النجوم الأولى ظهرت في الثمانينيات وهي مبادرة دفاع استراتيجية أعلنها رئيس الولايات المتحدة السابق دونالد ريغن وأنفق عليها مليارات الدولارات.
وما عزز الحاجة الى العودة الى حرب النجوم هو الخبر الذي كشفه مدير مكتب المعلومات الوطني دونالد كير عن قيام الصين في العام الماضي بوضع قمر اصطناعي أميركي تحت أشعة اللايزر، ليحذر من أبعاد هذا الأمر ومخاطره الحقيقية.
حاولت الولايات المتحدة خلال المؤتمر السنوي للأمن في ميونيخ إقناع الدول الأوروبية بضرورة التعاون معها في العودة الى حرب النجوم لتجنّب الخطر الروسي والصيني المتصاعد. إلا أن ألمانيا رفضت الخضوع للرغبة الأميركية معتبرةً أن روسيا لا تشكل خطراً على الأوروبيين.
تسعى أميركا الى تحصين نفسها فضائياً لأنها تدرك أهمية هذا الموضوع في توفير الأمن والحماية للشعب الأميركي لأن السرعة الكبيرة التي شهدها ما يعرف بثورة المعلومات ساعدت على نموها الاقتصادي والريادي وساهمت في عملية الازدهار وفي تطوير الأبحاث والتجارب العلمية والمدنية والبيئية، وأرست نظاماً تنافسياً تجارياً عالمياً يحفّز الابتكارات، وبالتأكيد فإن من يتفوّق في الأبحاث الفضائية سوف يُبقي العالم تحت قيادته ويصون مصالحه ويخدم سياساته.
تقوم شركات صناعة الأسلحة والنخب الأميركية بدعوة الرئيس بوش إلى العودة الى حرب النجوم لِما لها من دور كبير ومحوري في توجيه سياسات واشنطن الاستراتيجية التي أزعجتها التجربة الصينية في الفضاء، بالإضافة الى برنامج التسلّح الصيني العسكري الذي تسارعت وتيرته في السنوات العشر الأخيرة والذي يعتقد الأميركيون بأنه أنهى الصعود السلمي للصين بعيداً عن رادارات صانعي القرارات في أميركا.
فقد أعلنت الصين أن موازنتها العسكرية لهذا العام سترتفع بنسبة 17،8 في المئة الى 45 مليار دولار، ما أثار مخاوف واشنطن وطوكيو والهند الذين اعتبروا أن هذا الإنفاق على التسلح قد يكون ذا طابع هجومي أكثر منه دفاعياً. ويعتقد الخبراء العسكريون في أميركا وأوروبا أن الموازنة العسكرية الصينية المعلنة تمثّل جزءاً من الإنفاق العسكري، وبحسب اعتقادهم أن الإنفاق الحقيقي قد يكون ضعفي أو أربعة أضعاف هذا الرقم.
فهل أصبحت الصين الدولة التي بدأت تزعج الولايات المتحدة إقتصادياً وأمنياً وعسكرياً، وهل تكون الدولة المهيّأة للمنافسة من جديد؟
من يعلم فقد يكون الفضاء مركزاً آخر للتنافس العسكري بعدما ضاقت الأرض بالحروب والأزمات السياسية.
* خبير في الشؤون الأميركية