محمد خواجه *
بشر الكولونيل «موشيه فتال» ــــــ المنسق المكلف مشروع صاروخ «حيتس» ــــــ المواطنين الإسرائيليين بأن بإمكانهم أن يشعروا بالأمان بعد نجاح تجربة صاروخ حيتس، وأن إسرائيل جاهزة لمواجهة أي هجوم صاروخي، بما في ذلك هجوم نووي. وأضاف: «إن نظامنا المضاد للصواريخ قادر على التصدّي، في المستقبل، للتهديدات الإيرانية والسورية».
أشار الخبير الإسرائيلي في مجال هندسة الصواريخ «موطي شيفر» إلى أن المؤسسة العسكرية كانت قد تبنت اقتراحاً لإنتاج صاروخ «حيتس»، بتكلفة تصل إلى ملياري دولار، وبتمويل أميركي، أنجز عام 2002. وكان «شيفر» قد أبدى امتعاضه أثناء الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان، من عدم استخدام الصاروخ المذكور، لردع صواريخ المقاومة التي أصابت العمق الإسرائيلي، وقال حينها: «إن ذاك الصاروخ قد وضع في المستودعات، وما زال يعلوه الصدأ منذ سنوات عدة، ولم يجرب في المهمات التنفيذية، لأن الجيش الإسرائيلي لم يجرؤ حتى الآن على استخدامه، مع أنه أثبت فاعليته في العمليات التجريبية» (1).
تعمل إسرائيل حالياً على إنتاج جيل جديد من صواريخ حيتس، من حيث تطوير قدرته الاعتراضية لمسافات أبعد، وتحسين منظومات الرادار والسيطرة. «وعلم أن وكالة الدفاع الصاروخية في وزارة الدفاع الأميركية، قررت رصد مبلغ 400 مليون دولار لمشروع «حيتس» حتى عام 2013، من أجل تطوير الجيل الجديد لهذه المنظومة» (2).
تزايد اهتمام إسرائيل بالحصول على الصواريخ الاعتراضية في مرحلة التسعينيات من القرن الماضي، بعدما أصبح أعداؤها من الإيرانيين والسوريين وجماعات المقاومة في لبنان وفلسطين، يرتكزون في استراتيجيتهم على السلاح الصاروخي ذي المدى المختلف، الذي يمكنه أن يطال المدن والمستعمرات الإسرائيلية عن بعد.
أفادت صحيفة هآرتس الإسرائيلية بأن «الجيشين الإسرائيلي والأميركي سيجريان مناورات في إسرائيل، تشارك فيها وحدات الدفاع الجوي الإسرائيلي ولواء 69 الأميركي»(3). وسيجري اختبار منظومات صواريخ حيتس وباتريوت2 وباتريوت3 والمنظومة الدفاعية الأميركية «ثاد».
أيقن الإيرانيون من خلال معاناتهم في الحرب مع العراق، ودراستهم لتجربتي حرب الخليج الثانية والثالثة، استحالة اللحاق بمستوى التسلح الأميركي، وحتى الإسرائيلي، وبخاصة في مجال سلاحي الجو والمدرعات. لذا عمدوا إلى اقتناء الصواريخ على أنواعها، وإدخال التعديلات عليها، بما فيها الصواريخ البالستية البعيدة المدى. ويرتكز البرنامج الصاروخي الإيراني على المواد والخبرات المستوردة من روسيا وكوريا الشمالية والصين. فصاروخ «نودونغ» الكوري الشمالي، وهو طراز محدث عن صاروخ «سكود» الروسي، يشكل الأساس لصاروخ «شهاب3»، الذي يصل مداه إلى 1300 كلم، ويحمل رأساً زنته 750 كلغ (4). أما صاروخ «شهاب4» المصمم على أساس الصاروخ (SSــــــ4) الروسي فيبلغ مداه بين 2000 و 2500 كلم، وهو قادر على حمل رأس حربي زنته 1000 كلغ. كما يمكنه حمل رأس مزود بالمواد الكيميائية والبيولوجية، وحتى النووية.
شهدت الآونة الأخيرة، قيام إيران بإجراء التجارب على العديد من الصواريخ المضادة للأهداف البحرية، ولا سيما صاروخ أرض ــــــ بحر «كوثر» القادر على الإفلات من أجهزة الرادار. وهو متوسط المدى ومتطور. كما اختبرت الطوربيد السريع «هوت». كتبت صحيفة ازفستيا الروسية أن هذا الطوربيد يشبه، إلى حد بعيد، صاروخاً فائق القوة من صنع روسي «شكفال» الذي تصل سرعته إلى 100 متر في الثانية.
كما تسلمت إيران في مطلع سنة 2007 من روسيا الاتحادية، 29 منظومة صواريخ مخصصة للدفاع الجوي من طراز «تور ــــــ ام1» تكتيكية متطورة، قادرة على الاشتباك مع الأهداف الطائرة لمدى يبلغ 12كلم. وتمتاز بقدرتها على رصد أهدافها. وتعمل على شل الأنظمة المضادة للرادارات التي تحرف الصواريخ عن مسارها. وقد اختُبِرَت في مناورات «الصاعقة»، التي أجرتها في مطلع شهر شباط 2007، الوحدات الصاروخية الإيرانية في مياه الخليج وبحر عمان. ويرجِّح المراقبون أن تعمد طهران إلى نشرها في المناطق التي تضم منشآتها النووية.
كما اختبرت القوات البرية الإيرانية نظاماً دفاعياً مضاداً للطائرات بنجاح. وهذا النظام «يمكن نقله بسهولة، ويتمتع بمرونة كبيرة وقدرة على إصابة أهداف جوية في شتى الظروف المناخية» (5).
تعاطت إسرائيل مع إيران، كبلد عدو، منذ انتصار الثورة الإسلامية، وطرد حليفها الشاه محمد بهلوي. وفي العقد الأخير، بدأت الدولة العبرية تصنف إيران في مقدمة أعدائها. لذا قامت، وما زالت، بتحريض الولايات المتحدة لدفعها إلى لجم الطموحات الإيرانية، الساعية إلى امتلاك القدرة النووية. كما حاولت الضغط، بشتى الوسائل، على موسكو لإيقاف تعاونها مع طهران، ولا سيما في المجال النووي.
بالمقابل، عمدت طهران إلى لعب دور متزايد في الصراع مع إسرائيل، من خلال تحالفها الوثيق مع دمشق، ودعمها لحركات المقاومة في لبنان وفلسطين، لتشكل هاجساً مزعجاً للإسرائيليين، عبر عنه رئيس ديوان إسحاق رابين السابق «إيثان هابر» حين قال: «بينما تتراجع قدرة الدول العربية وحافزها على تهديد وجود إسرائيل، تتعاظم منذ أكثر من عقد، القدرة الإيرانية على تجديد هذا الخطر بواسطة السلاح النووي، وهذا من شأنه أن يجعل إسرائيل تعيش للمرة الأولى منذ نشوئها تحت تهديد حقيقي بالدمار» (6).
على المقلب الآخر، سعت سوريا في العقدين الأخيرين، إلى تطوير قدراتها الصاروخية، فأعطتها الأفضلية. ويؤكد الخبير جيرالد ستينبرغ من منظور إسرائيلي «أن سوريا واحدة من دول الرفض الرئيسية، وتشكل خطراً كبيراً، مع الأخذ في الاعتبار الانحطاط الذي شهدته قواتها التقليدية من حيث العدد والعدة والمستوى التكنولوجي (7).
وذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أن سوريا وإيران تستعينان بخبراء من كوريا الشمالية والصين وروسيا لتطوير صواريخ جديدة، بحيث يمكن هذه الصواريخ أن تتزود برؤوس متفجرة أو برؤوس مليئة بمواد كيميائية. وبحسب الصحيفة المذكورة، فإن سوريا تملك نحو 200 صاروخ من طراز «سكاد بي» و 60 صاروخاً من طراز «سكاد سي» وكميات غير معروفة من طراز «سكاد دي».
وفي السياق ذاته، تؤكد الصحيفة أن منظومة الرادارات الخاصة ببطاريات صواريخ حيتس تمكنت من رصد عملية إطلاق ناجحة لصاروخ «سكاد دي»، وهو صاروخ قادر على ضرب أي هدف في الكيان الصهيوني. وإن التجربة الناجحة التي أجراها الجيش السوري بإطلاق الصاروخ المذكور تثبت أن «سكاد دي» يصل مداه إلى 400 كلم، خضع لتعديلات بحيث أصبح من الصعب اعتراضه، وبات أكثر دقة وقدرة تدميرية.
وادعت الصحيفة ذاتها أنه منذ أكثر من سنة، ودمشق تحاول إقناع موسكو ببيعها صواريخ أرض ــــــ أرض متطورة من طراز «اسكندر ــــــ إيه»، الذي يبلغ مداه 280 كلم، ويمكن تزويده برؤوس متفجرة من أنواع مختلفة، ويتميز بأنه أكثر دقة من صواريخ سكاد، ويصعب اعتراضه، ما يجعله قادراً على إصابة مفاعل ديمونا النووي في صحراء النقب. وترافق هذا الخبر مع تقارير صحافية، وتصريحات لمسؤولين إسرائيليين تتحدث عن صفقات على وشك الإبرام، تبيع بموجبها روسيا صواريخ مضادة للدروع من طراز «كريزنتما» إلى سوريا. وهذا الصاروخ خليفة صاروخ كورنت حيث يبلغ مداه ستة كيلومترات، ويتميز بالدقة البالغة. وكذلك صواريخ من طراز (أس300) المضادة للطائرات، ذات الفاعلية العالية. وقد سببت هذه التقارير قلقاً جدياً للقيادة الإسرائيلية، التي سعت للضغط على موسكو، (بحسب المصادر الإسرائيلية).
والسؤال المطروح، هل باتت الصواريخ المنحنية والاعتراضية، عماد الحروب المقبلة؟ وهل تشكل التجربة الناجحة لصاروخ «حيتس» عاملاً إغرائياً لزيادة احتمال الحرب على إيران، وربما سوريا أيضاً، وبخاصة أن هذا الصاروخ سيكون أساس الدرع الصاروخية للدولة العبرية لرد الصواريخ البالستية الإيرانية التي من المحتمل أن تطال العمق الإسرائيلي، في حال إقدام الولايات المتحدة أو إسرائيل أو كليهما معاً، على شن ضربة نارية كبيرة وسريعة، ضد أهداف داخل الأراضي الإيرانية، بحجة أنها مراكز لإنتاج الطاقة النووية؟ وكان وزير الشؤون الاستراتيجية «أفيغدور ليبرمان» قد صرح يوم الثلاثاء 12 شباط2007 بأنه «علينا أن نواجه الإيرانيين وحدنا». وأن «إسرائيل لن تسمح لنفسها بالوقوف مكتوفة الأيدي، وتصبر حتى تمتلك إيران أسلحة غير تقليدية». فهل الأمر محض صدفة، أن تجرى الاختبارات على منظومات الصواريخ المختلفة في كل من إسرائيل وإيران وسوريا في الآونة الأخيرة؟ أم أن الحدث يندرج ضمن استعدادات كل طرف لمواجهة احتمالات التفجير، مع الإدراك المسبق لكل منها، بالكلفة لهكذا احتمال.
المصادر:
(1): الحرب السادسة النصر الصعب ــــــ محمد خواجة ــــــ ص164ــــــ عن يديعوت أحرونوت في 1/9/2006.
(2): صحيفة الأخبار ــــــ البنتاغون يمول مشروع صواريخ حيتس: 20ــــــ2ــــــ2007 عدد 158.
(3): صحيفة هآرتس الإسرائيلية: 18/3/2007.
(4): جيرالد ستينبرغ ــــــ الكيان الصهيوني ــــــ بيت العنكبوت ــــــ باحث للدراسات 2001ــــــ صفحة 102و 103.
(5): المجموعة اللبنانية للإعلام ــــــ قناة المنار: إيران تعلن تطوير نظام جديد مضاد للطيران ــــــ 16/3/2006.
(6): صحيفة يديعوت أحرونوت 23/8/2006.
(7):جيرالد ستينبرغ ــــــ الكيان الصهيوني ــــــ بيت العنكبوت ــــــ باحث للدراسات 2001ــــــ صفحة 102و 103.
* خبير بالشؤون العسكرية