معمر عطوي *
بقطع النظر عمّن هو صدام حسين وبعيداً عن تقويم حزب البعث وممارساته «الشمولية» في السلطة المستبدة، لا بد من الإحاطة الكلية بالأجواء التي رافقت صدور حكم إعدام الرئيس العراقي المخلوع واثنين من اعوانه في قضية الدجيل بعدما تم تنفيذه بصدام عقب تصديق محكمة التمييز الجنائية العليا.
ذلك أن الشعور بـ«نشوة الانتصار» في وقت يعيش فيه العراق ما يشبه تنفيذ خطة للإبادة الجماعية على المستوى الطائفي، يصبح من السخافة إن لم يكن نوعاً من الاختباء وراء الاصبع، خصوصاً اذا علمنا ما جلبته مرحلة «ما بعد ــ صدام» من ويلات على الشعب العراقي تتخطى في مشهديتها التراجيدية كل ما فعله نظام البعث من حلبجة حتى الدجيل والأنفال وغيرها.
ومما لا شك فيه أن رؤية الرئيس العراقي السابق في قفص الاتهام اثناء تلاوة حكم الاعدام عليه وعلى اعوانه في قضية الدجيل، ومن ثم معلقاً على حبل المشنقة في اول ايام عيد الاضحى، وسط اصوات تبارك الحكم اريد منها الاستفزاز المذهبي لا اكثر، في ايحاء واضح لاستفزاز مشاعر شريحة لا بأس بها من العراقيين، قد مثّل مفصلاً خطيراً في ما تؤول اليه الأوضاع على المستوى العربي، الذي انقلبت فيه القيم وتحول فيه المصطلح الى تعبير ملتبس، فبات من يناصر التغيير تحت عباءة اميركا «وطنياً شريفاً» وثائراً، ومن يقاتل فلول الغزو الاميركي ــ الاسرائيلي ارهابياً ومغامراً. وليس المقصود هنا أن نظام صدام حسين يندرج في صف «الوطني الشريف»، لكن من غير الجائز تحت اي ذريعة من ذرائع الاضطهاد والحرمان والتنكيل، (التي ليست حكراً على نظام صدام حسين السابق فقط ضمن المنظومة العربية و«العالمثالثية») أن نبرر نتائج بنيت على مقدمات فاسدة، وبالتالي يصبح التسليم بهذه النتائج والترحيب بها اعترافاً غير مباشر بمقدمات فاسدة اقل ما يقال فيها أنها خطيئة تاريخية ينبغي رفض كل ما يتمخض عنها. ففي علم المنطق الأرسطي قاعدة اساسية تقول إن فساد المقدمة يعني فساد النتيجة. وهذا يترتب على كل ما ينتج من احتلال العراق بما فيه القضاء على نظام البعث ومحاكمة جلاوزته.
اذن، الأمر هنا ليس دفاعاً عن صدام الطاغية، بل هو دفاع عن سيادة عربية مفقودة بفعل الاحتلال الاميركي للمنطقة، وهوية اصبحت ملتبسة في ظل سيطرة قوى لا يمكن وصفها بأقل من تعبير «عملاء اميركيين» تعبر عن فرحها بالحكم على الطاغية حتى ولو جاء هذا الحكم من طاغية أكبر، لطالما كان بعض هذه القوى نفسها ينعتها بـ «الشيطان الاكبر».
لا يمكن تجاهل ضحايا الظلم بأي شكل من الاشكال، ولا يمكن مصادرة الحق في الشماتة من القاتل او السرور بنيله جزاءً قد يستحقه، لكن لا بد من مراقبة التوقيت الذي حدد يوم البت بالحكم عشية انتخابات نيابية اميركية واجه فيها الحزب الجمهوري الحاكم مشكلة كبيرة في ظل تقدم خصمه الديموقراطي، خصوصاً أن فشل تحقيق نتائج غزو العراق هو احد ابرز الاسباب التي استعملها الديموقراطيون ضد الجمهوريين في حملاتهم الانتخابية.
فجاء توقيت الحكم بإعدام صدام وأعوانه بمثابة محاولة سافرة وفاشلة في الوقت نفسه، لحفظ بعض ماء الوجه للرئيس جورج بوش وإدارته المحافظة التي واجهت فشلاً ذريعاً في تحقيق سياساتها في العراق وقبل ذلك في افغانستان.
كما جاء توقيت تنفيذه في ايام العيد أيضاً ذا دلالات خبيثة واستفزازية.
كان من الممكن ايجاد اوسع مشاركة ممكنة لحالة السعادة التي قد يشعر بها ذوو ضحايا الدجيل والانفال وكركوك وحلبجة وغيرها، لو كانت المحكمة العراقية محكمة ثورية حقيقية خرجت من رحم انتفاضة شعبية على غرار الثورة الايرانية او الثورة البولشفية او حتى الثورة البوليفارية، عندها كان من الممكن الترحيب بنتائج محاكمة هي صنيعة الضحايا انفسهم لا نتاج عملية تصفية حسابات بين ادارة مخابراتية وعميلها السابق الذي انقلب على مخططاتها.
لم تكن إدانة صدام حسين صورة مذلة لجلاوزة النظام العراقي الذين يستحقون العقاب على ما اقترفوه بحق شعوبهم، مثل غيرهم من جلاوزة الانظمة العربية الاخرى، والتي تستأنس الولايات المتحدة في دعمها، بل هي طعنة في كرامة كل مواطن عربي شعر بأن قفص الاتهام يتسع في عهد غوانتنامو وأبو غريب ليمتد من المحيط الى الخليج. رؤية صدام وأعوانه في قضايا قد يستحقون اقصى الاحكام عليها، تستحضر مشهداً آخر لمحاكمات مرتقبة قد يكون ضحيتها السيد حسن نصر الله او خالد مشعل او ابطال المقاومة العراقية الذين نأوا بأنفسهم عن تنفيذ مخططات الاستخبارات الاميركية والاسرائيلية بتنفيذ فصول الفتنة الطائفية وقتل الابرياء ليصطادوا جنوداً ينتمون الى محكمة، اقل ما يقال فيها أنها لا تشبه ضحايا المجازر.
* كاتب لبناني