ألبير فرحات *
كل الكلام على إخلاء سبيل فراس حاطوم ورفيقيه «بعد الأعياد» هو كلام غير جدير بالثقة.
سوء النية من جانب الأجهزة الأمنية اللبنانية لا يحتاج الى دليل: عرفوا من خلال المخابرة التي أجراها مع محمد زهير الصديق انه يسعى الى دخول شقته في خلدة. كان عليهم ان يختموها بالشمع الأحمر أو أن يضعوا حراسة عليها لو كان همهم عدم السماح بـ«العبث بالأدلة».اختاروا نصب كمين له والإمساك به «متلبّساً».
بالإضافة الى عدم أخلاقية العمل الذي أقدمت عليه الأجهزة الأمنية اللبنانية، فإنه يشكل إساءة لاستعمال السلطة، وإخلالاً بواجبات الوظيفة يصل الى حدود اختلاق الجرائم، وكلها سلوكيات معاقب عليها إدارياً وقضائياً.
ولكن لماذا؟
يغيب عن بال معظمنا هول الجريمة التي ارتكبها فراس حاطوم: فهو أزعج خاطرة حُماة محمد زهير الصديق الفرنسيين في أعلى مقامات السياسة والدولة في فرنسا. زهير الصديق هو «شاهد الملك» (في المناسبة تعبير «الشاهد الملك» هو تعبير خاطئ) أي شاهد الادعاء شبه الوحيد. وما عجزت الأجهزة الأمنية الفرنسية عن الإقدام عليه في الشانزليزيه ومحطات المترو وسائر الأماكن التي وُجد فيها «عندها»، حققته بالواسطة، في خلدة.
ويحق لكل لبناني ان يسأل وزير الداخلية ووزير العدل بصفته مشرفاً على النيابات العامة: هل الأجهزة الأمنية عندما أقدمت على نصب الكمين قد عملت طبقاً لتوجيهات القضاء أم هذه الأجهزة قد باتت تعتبر نفسها «فوق القضاء»؟
ومن جهة ثانية، يجب أن لا يغرب عن بال المطالبين عن حق بوقف التعقبات لفراس حاطوم ورفيقيه وإطلاق سراحهم، أنهم ملاحقون بجناية المادة /639/ من قانون العقوبات (سرقة موصوفة) وأن من غير المستبعد، تبعاً للمنحى الذي تسير فيه الأمور، أن يجري الادعاء عليهم لاحقاً بجناية الاعتداء على أمن الدولة وتعكير صلات لبنان بدولة صديقة هي فرنسا.
أما إقدام محمد زهير الصديق على اتخاذ صفة الادعاء الشخصي في حق فراس حاطوم ورفيقيه فإنه يشكل فصلاً جديداً في المهزلة القضائية التي يُراد للقضاء اللبناني ان يمثّلها بحيث يمكن طرح السؤال الآتي: هل المرجع القضائي الذي اتخذ «شاهد الملك» صفة الادعاء الشخصي أمامه سوف يستدعي هذا الشخص للمثول أمامه وأخذ إفادته ومقابلته بالمدّعى عليهم الملاحقين بالجناية؟
ان المضحك المبكي في هذه المسألة ناتج من كونها إحدى محاولات التصعيد الحكومية التي تشكل خرقاً فاضحاً للحريات الاعلامية والحريات العامة، وناتج خصوصاً من كونها تكشف الوجه الحقيقي لسعي الأوساط اللبنانية والأجنبية الى تشكيل محكمة ذات طابع دولي من ضمن حيثيات تعيد الى الذاكرة تاريخ «محاكم التفتيش» سيئة الذكر ــ أي محاولة استخدامها للقمع الداخلي باسم ذلك المجتمع الدولي الذي لا يحرّك ساكناً إزاء المذابح التي تنفذها اسرائيل في حق الشعب الفلسطيني والتي تمارسها الولايات المتحدة في حق الشعب العراقي.
ان جميع رجال الإعلام والقانون في لبنان مدعوون الى اتخاذ موقف حازم مما يجري والى التخلي عن سائر الأوهام التي قد تراودهم حول إطلاق سراح فراس حاطوم ورفيقيه، وخصوصاً ان هذا القرار، لكي ينفذ، يجب ان يتخذ في باريس لا في بيروت.
وأخيراً فإن نزاهة القضاء ليست مسألة تتعلق فقط بسلوكيات هذا القاضي أو ذاك، وهذا المرجع القضائي أو ذاك، إنها مسألة ذات صلة باستقلال السلطة القضائية من خلال الإقرار بصورة صريحة في الدستور بأنها واحدة من السلطات الدستورية، وبضمان استقلاليتها ورفع وصاية وزارة العدل عنها.
* محام وباحث قانوني