بولس خلف
رغم الإخفاقات العسكرية والسياسية التي مني بها مشروع المحافظين الجدد على مختلف الساحات، لا يزال الرئيس الأميركي جورج بوش يرفض الاتّعاظ من هذه النكسات وإجراء انعطافة جذرية في توجهاته. وفي محاولة للإيحاء بأنه ممسك بزمام المبادرة، قرر الهروب الى الأمام عبر إرسال عشرات الآلاف من الجنود الإضافيين الى العراق، كما انه بعث الى حلفائه وأعدائه على حد سواء بإشارات تظهر مدى «حزمه» بالتعاطي مع الملفات الساخنة.
ويأتي في هذا الإطار قرار تدعيم الأسطول البحري المنتشر في المنطقة بحاملة طائرات ثانية وعدة سفن أخرى، وفرض عقوبات على أربع وعشرين شركة بحجة أنها باعت أسلحة الى إيران وسوريا. حتى لو ضاعف جورج بوش عدد قواته في العراق، وهذا احتمال يصعب تحقيقه، فلن ينجح في وقف الانهيار هناك. المنطق الذي يصوّر أن سبب الفشل في العراق يعود الى عدم نشر قوات كافية هو نفسه الذي أكد، قبل أربعة أعوام، أن غزو هذا البلد، وإعادة صياغة نظامه السياسي، هو نزهة غير مكلفة لن تستغرق أكثر من بضعة شهور ــ انها نظرة تسقط من حساباتها، ولأسباب عنصرية بحتة، أي احتمال أن يكون السبب الرئيسي للفشل هو رفض الشعب العراقي لأي احتلال أجنبي واستعداده لتقديم تضحيات كبيرة لمقاومته. وحتى رهان الأميركيين على إغراق البلد في الفتنة المذهبية لن يريحهم كثيراً. فرغم ازدياد الأعمال ذات الطابع الفتنوي، فقد كانت الأشهر الثلاثة الماضية الأكثر دموية في سنتين بالنسبة للجيش الأميركي.
ليس هناك من سبب يدفعنا الى الاعتقاد أن ما عجز جورج بوش عن تحقيقه في السنوات الأربع الماضية سوف ينجح في تحقيقه في الفترة المقبلة. داخلياً، سيصطدم الكونغرس الذي يهيمن عليه الديموقراطيون وسيسبح عكس التيار الأكبر في الرأي العام الأميركي الذي يعارض بشدّة استمرار الحرب في العراق. خارجياً، سيغادر الساحة في النصف الأول لهذا العام أهم حليفين له في الملفين: العراقي (طوني بلير) واللبناني (جاك شيراك)، ما يحدّ من قدرته على إيجاد غطاء دولي لمشاريعه في هذين البلدين كما كانت الحال في السنوات الماضية.
تراجع المحافظين الجدد سيستمر في مشروعهم، لكن هذا الانكفاء في العراق لم يترافق بخطوة مماثلة في فلسطين ولبنان.
في الواقع، ما تحاول الولايات المتحدة القيام به في هاتين الساحتين هو تعميق التناقضات الداخلية عبر نسف المبادرات وإغلاق طرق الحل من أجل الدفع نحو الاقتتال الداخلي والفتنة المذهبية. وهذا ليس بمشروع سياسي استراتيجي بل هو دليل إفلاس. فقد تراجعت طموحات الإدارة الأميركية من حلم الشرق الأوسط الكبير أو الجديد إلى منطقة تعمّها الفوضى والحروب الداخلية حسب المعادلة التالية إذا لم تستطع أميركا إعادة صياغة الخريطة السياسية للشرق الأوسط والتحكم بها، فهي سوف تلجأ الى سياسة الأرض المحروقة.
إذا كان الجيش الأميركي هو الأداة التنفيذية الأساسية للمشروع الأميركي الأصلي، فإن الأنظمة العربية أو أجنحة في بعض الأنظمة، هي الموكلة بتنفيذ المشروع الرديف. ولكل دولة أو «سلطة» قوى المقاومة والممانعة العربية في وحول الاقتتال الداخلي.
ولكن، هل يستطيع الوكيل الضعيف أن ينجح حيث فشل الأصيل القوي؟ إن جلّ ما يمكن أن يفعله أيتام المحافظين الجدد هو إشعال حريق هائل في لبنان وفلسطين وغيرهما من الساحات، سيلتهمهم قبل أن يصل الى الآخرين.