باتريك كلاوسن *
هناك تجارب سابقة للحوار المباشر بين الولايات المتحدة وإيران. كان أبرز تلك التجارب الحوار الذي أجراه الطرفان خلال الحرب الأميركية في أفغانستان حول بعض القضايا ذات الصلة بتلك الحرب، ولكن الولايات المتحدة حرصت آنذاك على وجود ممثل لطرف ثالث على الأقل، لضمان غطاء رسمي بأن هذه المحادثات لا تُعد محادثات ثنائية مباشرة بين الطرفين. أيضاً أجرى الطرفان محادثات عدة قبل غزو العراق وأثناءه، عُقدت ثلاث منها على الأقل خلال عام 2003 (في شهور كانون الثاني، آذار، أيار) لمناقشة الموقف في العراق. وعلى رغم أن ممثل الأمم المتحدة هو الذي افتتح تلك المحادثات للحفاظ على صفتها كمحادثات غير مباشرة، إلا أن ممثل الأمم المتحدة كان ينسحب سريعاً من تلك المحادثات ليترك الوفدين الأميركي والإيراني للحديث الثنائي المباشر. وقد توقفت المحادثات بين الطرفين عام 2003.
الرؤية الإيرانية للموقف الأميركي في العراق
لم يحظ تقرير «بيكر هاملتون» بتغطية كافية في الصحافة الإيرانية بسبب تزامن صدور التقرير مع الانتخابات المحلية الإيرانية وانتخابات مجلس الخبراء التي أجريت في 15 كانون الأول 2006، غير أنه من الممكن أن نقتبس هنا ما جاء في صحيفة «كيهان» Keyhan الإيرانية في عددها الصادر في 30 تشرين الثاني 2006، وهي صحيفة قريبة من حكومة أحمدي نجاد، إذ تقول الصحيفة: «إن الحكام الأميركيين المغرورين والجاهلين قد يضطرون، تحت تأثير الضغوط الداخلية، إلى الدخول في محادثات جادة مع محور إيران ــ العراق ــ سوريا، ولكن من دون شك فإن الهدف الحقيقي لن يكون حل الأزمة العراقية، ولكن الخروج من العراق بشكل يضمن الحفاظ على ماء الوجه وبأقل تكلفة ممكنة».
وفي خطبة الجمعة التي ألقاها رفسنجاني الذي يوصف بالاعتدال والواقعية في 17 تشرين الثاني 2006، أشار إلى ضعف الأسباب التي تدعو إيران إلى مساعدة الولايات المتحدة في العراق قائلاً: «إنهم يغرقون بالتدريج في هذا المستنقع، ولا يستطيعون مساعدة أنفسهم في الخروج من العراق، إن الأمر يكلفنا جهداً كثيراً لإخراجهم من قاع هذا المستنقع». أما القوى الراديكالية في إيران فترى أن الولايات المتحدة أصبحت ضعيفة جداً إلى الحد الذي يجب تجاهلها، وأن في استطاعة إيران هزيمتها في أية مواجهة محتملة. وقد أكد هذا المعنى مهدي محمدي في مقال له في جريدة «كيهان» في عدد 2 تشرين الثاني 2006، عندما قال: «إن الأميركيين لم يفقدوا فقط قدرتهم على اللدغ ولكن فقدوا أيضاً قدرتهم على النباح... يجب عليهم أن يفكروا في ما يجب أن يقوموا به حتى لا تهددهم إيران...
وعلى الجانب الأميركي، يرى البعض أن إيران لديها أيضاً مصلحة مشتركة مع الولايات المتحدة في استقرار العراق ووقف حالة الفوضى الأمنية القائمة، ومن ثم فإن لديها مصلحة هي الأخرى في التعاون مع الولايات المتحدة في هذا الملف. ولكن لا يجب النظر إلى المسألة وفق هذا الحساب، فربما يكون ذلك صحيحاً، أو هكذا تبدو المسألة، من وجهة نظر واشنطن، ولكن طهران لديها سياسة قديمة وثابتة لدعم ما تراه يخدم مصالحها الوطنية في العراق، ويعتقد المسؤولون الإيرانيون أن هذه السياسة هي التي تدعم مصالحهم الوطنية هناك. إن افتراض أن الولايات المتحدة في إمكانها إقناع المسؤولين الإيرانيين بأنها (أي الولايات المتحدة) تدرك ما الذي يدعم المصالح الوطنية الإيرانية أكثر من الإيرانيين أنفسهم، هو افتراض غير دقيق يصعب إقناع الإيرانيين به. والأكثر قبولاً هو أن إيران سوف تطالب بثمن مقبول لأي تعاون محتمل مع الولايات المتحدة في العراق، وهو ما أكده محمد جواد ظريف، سفير إيران لدى الأمم المتحدة، لجيمس بيكر ولي هاملتون أثناء عشاء خاص جمعهم في 5 تشرين الأول 2006. وهكذا، في الوقت الذي لا تتضح فيه ماهية الثمن الذي يمكن أن تقدمه الولايات المتحدة لإقناع إيران بهذا التعاون، فإن إيران من جانبها ستطالب، من دون شك، بتبنّي الولايات المتحدة موقفاً أكثر مرونة في ما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني، بالإضافة إلى مطالب أخرى، وهو ثمن كبير بالفعل.
محدودية الدور الإيراني في العراق
يقول المسؤولون الأميركيون إن هناك دوراً رئيسياً ومباشراً لإيران في المشكلات الأمنية العراقية. في تشرين الثاني 2006، قال مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، ميشيل هايدين، أمام الكونغرس «إن الأيدي الإيرانية (في العراق) تحث على العنف». وفي البداية، تحدث هايدين عن شكوكه في الدور الإيراني المزعوم في العراق إلى أن راجع بنفسه تقارير وكالة الاستخبارات، وقال: «لقد خلصت إلى هذا الاستنتاج أخيراً، ولقد تحول موقفي تماماً في ضوء الدور السلبي الشديد للإيرانيين داخل العراق». إجمالاً، يمكن تأكيد نقطتين مهمتين في شأن الحوار الأميركي مع إيران حول العراق: الأولى، أن المسؤولين الإيرانيين أبدوا استعداداً محدوداً للدخول في حوار مع الولايات المتحدة حول العراق، بسبب ما لديهم من قناعة قوية بضعف الموقف الأميركي في العراق. النقطة الثانية أن إيران قد تستطيع أن تؤدي دوراً في تدهور الأوضاع الأمنية في العراق، ولكنها لا تستطيع أن تقوم بالدور نفسه في تحقيق السلام في العراق، وبمعنى آخر، المراهنة على إيران للمساعدة على تحقيق استقرار العراق وأمنه هي مراهنة مبالغ فيها ومفرطة التفاؤل.
*باحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى
(اعداد علي شهاب)