وليد شرارة
سلسلة الإخفاقات التي واجهتها السياسة الأميركية في المنطقة، من أفغانستان الى فلسطين مروراً بالعراق ولبنان، وتداعياتها الداخلية في الولايات المتحدة على المستوى الانتخابي وعلى معدلات شعبية الرئيس الاميركي لم تدفع فريق المحافظين الجدد الحاكم الى مراجعة جدية لهذه السياسة. صحيح ان هذا الفريق بات اليوم يتعرض لضغوط داخلية تضاف الى «الضغوط الخارجية» التي تمارسها عليه قوى المقاومة والممانعة في المنطقة، فالأغلبية الديموقراطية في الكونغرس لن تمنح تأييدها بسهولة لزيادة عديد القوات الاميركية في العراق كما يريده الرئيس الاميركي، وهي لن تفوّت فرصة لإدانة المغامرة الكارثية التي ورّط هذا الأخير بلاده فيها ولنقد رفضه الحوار مع سوريا وايران. مجمل الضغوط المذكورة دفعت بوش الى اتخاذ مجموعة «إجراءات تجميلية»: إعلان بلورة استراتيجيا جديدة للعراق، تغيير المسؤولين السياسيين والعسكريين المشرفين على إدارة الوضع في هذا البلد، تخصيص مبلغ يراوح بين خمسمئة مليون دولار وبليون دولار كمساعدة اقتصادية تهدف الى خلق «فرص عمل» جديدة. لكن القرارات التي اتخذها والتي تكشف استراتيجيته الفعلية في بلاد الرافدين، هي زيادة عديد قواته المحتلة عشرين ألف جندي والسماح بإعدام الرئيس العراقي السابق صدام حسين في يوم عيد الأضحى لتأجيج الحرب المذهبية المستعرة وإرسال المزيد من البوارج الحربية الى منطقة الخليج لمواجهة «التهديد» الإيراني. وتشير معلومات واردة من العاصمة الاميركية إلى ان فريق المحافظين الجدد يعتبر ان الرد على إخفاق مشروعه في العراق والمنطقة يفترض اعتماد خطة بديلة أكثر هجومية محوراها التفتيت المذهبي والحرب. تأجيج الحرب المذهبية في العراق سيسمح على المدى المتوسط بتقسيم هذا البلد الى ثلاث دويلات، شيعية وسنية وكردية، وبإثارة فرز مذهبي حاد لا سابق له على مستوى الإقليم بين «العرب السنة» من جهة وايران وحلفائها «الشيعة» من جهة أخرى تستطيع الولايات المتحدة استغلاله لحشد الأولين في مواجهة الأخيرين، وهو شرط لا بدّ منه لتهيئة الظروف المناسبة لضرب ايران.
الحرب على ايران، لتدمير منشآتها النووية وتحجيم نفوذها الإقليمي المتعاظم على المدى القصير، ولزعزعة استقرار نظامها وإثارة الاضطرابات العرقية والمذهبية داخل حدودها على المدى المتوسط، هدف مركزي للمحافظين الجدد. فهؤلاء يرون ان ضرب هذه القوة الإقليمية الصاعدة سيقلب موازين القوى في منطقة الشرق الأوسط ويحولها الى فضاء من الجماعات الطائفية والإثنية والمتناحرة لكن العاجزة عن مواجهة مشروع السيطرة الاميركي ــ الاسرائيلي. إيران برأي هؤلاء هي آخر عقبة أمام استباحة كاملة لهذه المنطقة على غرار ما جرى ويجري في منطقة إفريقيا جنوب الصحراء حيث تتفكك الدول الوطنية وتتناحر الجماعات الإثنية والدينية من دون ان يمنع ذلك الشركات العابرة للقوميات من السطو المباشر على الثروات الوطنية لهذه الدول. تفكيك الدول الوطنية في جنوب العالم، ومنطقتنا جزء منه، يسمح بسيادة ما يسميه المفكر الألماني روبير كورز (Robert Kurz) اقتصاد النهب وبعودة السيطرة الغربية الرأسمالية المباشرة على المواد الخام والسلع الاستراتيجية كالنفط. أما إدارة شؤون السكان في هذه البقعة من المعمورة، فتترك لأمراء الحرب وللعصابات الطائفية والإثنية ولحكومات فاقدة للحد الأدنى من السيادة الوطنية. هذه هي حال قسم كبير من الدول الافريقية وهذه هي حال العراق اليوم وهي حال يحلم المحافظون الجدد بتعميمها على جميع دول المنطقة، بما فيها الدول الحليفة. لذلك، على من يساهم اليوم في النفخ على النار المذهبية أن يراجع حساباته، فهذه الأخيرة ستأتي على الأخضر واليابس وتفتح الباب على مصراعيه لعودة الاستعمار في أشكاله الأكثر بدائية.