محمد علي فقيه *
لقد اعتبرت الولايات المتحدة نجاح ميليشيات المحاكم في السيطرة على العاصمة مقديشو والعديد من المناطق نهاية تحول جوهري في الصراع الصومالي، فالولايات المتحدة والعديد من الأطراف تذهب الى ان سيطرة المحاكم يمكن ان يحول الصومال الى ملاذ آمن لتنظيم القاعدة بل يجعله محطة ترانزيت لتنفيذ هجمات على دول الجوار كما حدث في تفجيري نيروبي ودار السلام، بل تتخوف واشنطن والعديد من الأطراف ان يجعل بن لادن الصومال «قاعدة» انطلاق لمشروعه بعدما هزم في أفغانستان. وكانت واشنطن قد أبدت استعدادها للتعامل مع المحاكم شرط تسليمها إرهابيين أجانب تتهمهم بتفجيرات نيروبي ودار السلام وأبدى رئيس المحاكم الشيخ شريف أحمد وقتذاك انفتاح حركته على الجميع بما فيهم الأميركيون لكنه نفى وجود من طلبت واشنطن تسلمهم.
غير ان المحاكم أغراها تقدمها على الأرض فطردت زعماء الحرب الى مدينة جوهر (80 كلم شمال مقديشو) وهزمتهم هناك. ومع توسع الإسلاميين برز المتشددون في صفوفهم فأغلقوا صالات العرض السينمائي ونفذوا أحكاماً بالإعدام والجلد وحظروا مضغ القات والتدخين، ما أثار مخاوف دولية من قيام نظام طالباني النزعة في الصومال وعزز هذه المخاوف إزاحة شريف أحمد عن قيادة المحاكم ليتولاها الشيخ أحمد ضاهر عويس الكولونيل السابق في الجيش الصومالي والمقاتل الشرس في حرب أوغادين عام 1977 ضد الجيش الأثيوبي، وكان قد منحه الرئيس سياد بري وسام الشجاعة، والموضوع اسمه على لائحة الأمم المتحدة لداعمي الإرهاب، إذ هناك معلومات تشير الى ان عويس كان ضالعاً في عمليتي نيروبي ودار السلام ويؤوي مقاتلين حاربوا في أفغانستان ويشرف على معسكرات تدريب للمحاكم يتدرب فيها مقاتلون أجانب.
والاهتمام الاميركي بالصومال ليس محصوراً بخطورة القاعدة بل يتعداها نتيجة للحقائق التالية:
1 ــ قرب الصومال من بلدان الخليج ومن طريق مرور النفط.
2 ــ قرب الصومال من جنوب السودان حيث يخطط صناع السياسية الاميركية هناك لتسويات تخدم مصالحهم.
3 ــ كون الصومال يشكل عمقاً استراتيجياً لمصر يمكن ان يستخدم ضدها عند اللزوم.
4 ــ وجود احتياطي نفطي هائل في أرض الصومال.
5 ــ وجود فرنسا المكثف في جيبوتي على الحدود الصومالية، وتصاعد المنافسة الاميركية لهذا الوجود.
لكل هذه الأسباب تريد الولايات المتحدة ترتيب الأوضاع في القرن الافريقي، فبعدما وقعت في مستنقع أفغانستان والعراق فضلاً عن تجربتها المخزية في الصومال حيث دخلت قوات المارينز تحت غطاء الأمم المتحدة عام 1992 وتعرضت لاستنزاف يومي وتحولت الى طرف معادٍ ينفذ العديد من العمليات العسكرية العشوائية ضد الصوماليين حيث وصل الصراع الى ذروته في 3 تشرين الأول 1993 خلال الاشتباك الذي وقع بين قوات البحرية الاميركية ومقاتلين صوماليين أسفر عن سقوط طائرتين أميركيتين وقتل 18 جندياً أميركياً وقامت الحشود الصومالية الغاضبة آنذاك بالتمثيل بجثة جندي اميركي في شوارع مقديشو ما دفع إدارة كلينتون الى سحب قواتها من الصومال، ولكي لا تقع في الخطأ عينه تستغل الولايات المتحدة العداء التاريخي بين الصومال وأثيوبيا التي تحتل إقليم أوغادين (250 كلم وسكانه 2,5 مليون) منذ عام 1889، حيث تتزايد المخاوف الأثيوبية من إثارة تمرد في أوغادين ذي الغالبية الصومالية الذي كان سبب حربين: الأولى عام 1964 عندما نجحت حركة التحرير الصومالية في إقليم أوغادين في إعلان حكومة مستقلة في إقليم أوغادين، وبعدها كان وقف لإطلاق النار من عام 1969 تاريخ مجيء سياد بري. والثانية كانت أواخر عام 1977 وانتهت بهزيمة الصوماليين في أوغادين في آذار 1978، فالمحاكم بقيادة الشيخ عويس لا تقتصر مهماتها على الصومال بل تمتد الى أوغادين، بل إن الكثير من قادة المحاكم وعناصرها هم من صوماليين أوغاديين.
وتعتبر أميركا الشيخ عويس أنه انتهازي يسعى الى تنفيذ الحلم التاريخي بإنشاء الصومال الكبير الذي ضم الأجزاء الخمسة المشتّتة وهي: جمهورية الصومال الحالية التي تضم جزءين كانا تحت الاحتلال البريطاني والإيطالي، والجزء الثاني يضم جيبوتي التي كانت تسمى الصومال الفرنسي قبل الاستقلال، والجزء الرابع هو الصومال الغربي الواقع تحت الاحتلال الأثيوبي، أما الخامس فهو منطقة الحدود الصومالية الكينية، ويطلق عليها إقليم (إنفدي N.V.D.)، التي ضمنها الاستعمار البريطاني لكينيا وتبلغ مساحتها 126,000 كلم2 ويبلغ عدد سكانها 100,000 نسمة وهم من المسلمين.
إن الولايات المتحدة تستغل هواجس أثيوبيا الخاصة لتشن حرباً على الصومال بالوكالة فمجموع سكان أثيوبيا 74,7 مليون نسمة تشكل عرقية الأرومو 45 في المئة من السكان ومعظمهم مسلمون ضمن خريطة دينية تقول إن ما بين 45 ــ 50% من السكان مسلمون وما بين 35 ــ 40% مسيحيون أرثوذكس والبقية وثنيون. وفي أثيوبيا عرقية صومالية تصل نسبتها الى تسعة في المئة.
ان دخول الجيش الأثيوبي الذي يعد أقوى جيوش افريقيا الى الصومال وإلحاقه الهزيمة بمقاتلي المحاكم يؤكد ان الولايات المتحدة قررت الاعتماد على أثيوبيا لتكون شرطي القرن الافريقي والايحاء لها بأنها الدولة المسيحية الوحيدة داخل هذا البحر بين الدول المسلمة المحيطة بها.
وتوضح معلومات ان أميركا وأثيوبيا تخططان معاً لتطبيق استراتيجيا الفوضى الخلاقة على الصومال على غرار ما حدث في العراق وأفغانستان والحيلولة دون وجود أية قوة عربية أو إسلامية قوية في هذه المنطقة ليصبح البحر الأحمر والمحيط الهندي وخليج عدن بحراً أميركياً كبيراً.
* باحث لبناني