الراحل فهد الكردي
  • علي غريب

    أفتش عن ألم يشبهني وأنا الذي رافقتك منذ السبعينيات... عن حزن عميق يشدّني إليه... جئت بعدك بزمن ومسافة والتحقت بالركب من خلال رفيقك الكبير محيي الدين حشيشو ومن خلالك...
    ما أصعب أن ألملم الكلمات لأجري خلفك... فأكتشف على رغم عفويتك كم كنت متقدماً علينا...
    سلام عليك أيها القادم من قلعة صيدا... قلعة معروف سعد... ومن مقاهي الصيّادين والعمّال والفقراء... تؤسس النواة الأولى في مدينتك الجميلة لتزرع في حقلها وبين جنبات بيوتها وروداً حمراء وثورة... فأصبحت علماً وراية وكسرت جدار الصمت نحو توحّد النضال الوطني...
    فهد الكردي... كان رجلاً من أبرز مناضلي الحزب الشيوعي اللبناني وكان رقيباً وشاهداً على تاريخ الحزب وحضوره في مدينته صيدا منذ مطلع الخمسينيات... وكان ركناً من أركان العمل الوطني إلى جانب الشهيد الكبير معروف سعد ونجله الشهيد مصطفى سعد، ونصيراً للفئات العمّالية والشعبية الى جانب القائد النقابي الوطني الكبير المرحوم حسيب عبد الجواد كما كان صديقاً للمرحوم الدكتور نزيه البزري...
    فهد الكردي من لا يعرفه من أبناء فلسطين والثورة الفلسطينية وهو الذي كان واحداً من أبرز مناصريها في بدايات تكوين النواة الأولى للفدائيّين... من لا يعرفه من أبناء صيدا بفعالياتها السياسية والنقابية والدينية والاقتصادية والثقافية... من حلفائه أو من خصومه... كان في شخصه يجمع مزايا قلّ ما كانت تجتمع في شخص أو مناضل سواه، فعلى رغم أنّه كان علماً من أعلام الحزب الشيوعي الحمراء كان صديقاً للعائلات المتعدّدة الوجوه الطبقية من أبناء المدينة... علاقاته الاجتماعية لم تكن في اتجاه عمودي بل كانت على الدوام في اتجاه دائري يجتمع فيها الحليف والصديق مع المختلف، همّه الأساسي مصلحة المدينة من دون أن يتخلى عن مبادئه... كان حاسماً وحازماً في مواقفه المبدئية السياسية لكنّه كان على القدر نفسه حريصاً على استمرار الصلة مع الجميع...
    لقد ساهم وناضل من أجل تأسيس منظمة الحزب في صيدا مع كوكبة من الشيوعيين الأوائل وأبرزهم الرفاق محيي الدين حشيشو والرفاق من آل عبّود وخير الدين سنجر وأبو رشيد وأبو إسماعيل وخالد الخطيب وآخرون غيرهم، حالمين بغد أفضل وبقدر ما كانوا ماركسيين تميّزوا بانفتاح وعيهم على هويّة مدينتهم في إسقــــاط ما كان مستـــــفزاً لمعتــــقدات أهلها وعميق انتمــــــائهم إلى مديـــنــــــتـــــهم وتاريخها وتراثــــها الديني والتراثي والسياسي...
    مناضل ساهم مع رفاقه في حسم وضع الحزب في مرحلة التحوّل التاريخي على أبواب المؤتمر الثاني للحزب. فهد الكردي... أحد أبرز الشهود على تاريخ صيــدا الوطني وصاحب الخبرة في ترسيخ دعائم الحركة الوطنية في صيدا وإرسائها ولا مجال لكتابة تاريخ اليسار والعمل الوطني في العقود الخمسة الماضيــــــــــة من دون حفظ مكـــــــــان لــلرفيق فهد الكردي فيه...
    بالأمس رحل أبو هاني الذي واصل العمل بلا كلل أو ملل طوال أكثر من خمسة عقود... رحل وهو يحمل هم الحزب والوطن وحلم الشعب الفلسطيني بالحرية وبالعودة... عاش الكثير من لحظات الفرح والشعور بعظمة الانتصار وبالوحدة الوطنية في مدينته... لم يجبن ولم تنحن له هامة على رغم كل الصعوبات... رحل مودّعاً بحفاوة بالغة تليق به وبمكانته وبدوره وسار خلفه أبناء مدينته موحّدين على رغم خلافاتهم السياسية مودّعين رمزاً من رموز مدينتهم التي حمل همّها طوال عمره داعياً الى توحّد أبنائها وفعالياتها في الأزمات والملمّات متميزاً بقدرته على الفصل بين الموقف السياسي والعلاقات الاجتماعية ما جعله يمتلك المواصفات الضرورية لقيادة حزبه في المدينة...
    رفيقي... لقد ودّعتك صيدا بقادتها وأهلها الطيبين... كما ودّعك رفاقك وقادة حزبك وعلى رأسهم الأمين العام للحزب الدكتور خالد حدادة معاهدين إياك على استمرار النضال من أجل تحقيق الحلم بوطن حر وشعب سعيد. ما فعلته في حياتك كان عظيماً منذ أن حلمت أحلامك الكبيرة وبقيت محتفظاً بتلك الأحلام. وإنّ الكثيرين من الحلفاء والأصدقاء يشعرون اليوم بفقدان رمز نضالي كبير قدّم في شخصه نموذجاً للمناضل الصادق والشريف، مات وهو لا يملك شيئاً سوى تقدير حزبه وأبناء مدينته ورفاقه وأصدقائه واحترام الناس العميق له.