بناء دولة المؤسسات المستشارة نبيلة صعب فتح الله

إن إعادة التوازن بعد فشل المشروع الأميركي، هو بلا ريب يقضي بإعادة صيغة رصينة تشي بحصانة طويلة الأمد للبنان، تؤسس لبناء دولة القانون والمؤسسات، دولة المواطنيّة، لا دولة الرعايا والقبائل والطوائف!! لذا، فإن البوصلة الوطنية تستدعي انتشال لبنان من الجنوح الأميركي وتجلّياته في المفاصل اللبنانية، لأن مسألة بقاء الوطن، باتت أكبر من حصص ومواقع، لتطال لبنان كياناً ودولة.
وهنا، فإن التأكيد الوطني يكون في إعادة فرصة التفكير والتبصر، والعودة إلى الذات الوطنية الصادقة، لاجتراح الحلول الناجعة والشافية والنهائية، وخصوصاً بعد أن وصلت الأمور إلى ذروة التشنج، وسط معمعة المكاسرة الحامية، وبين قعقعة التصاريح العالية للمبادرات في الداخل والخارج!! من هنا التأكيد ثانية أن صيغة «لاغالب ولا مغلوب» باتت من أدبيّات الماضي، لتهريب مبدأ الثواب والعقاب، أساس إعادة أي جنوح، وجرم، أو مخالفة على الحساب الوطني العادل، أليس العدل هو أساس الملك؟
إزاء ذلك، على القوى الوطنية في المرحلة القادمة اتخاذ خطوات ناجعة، ضمن الأطر السلمية الحضارية، تربك السلطة، هذه القوى المقاومة والمتضامنة مع شعبها الصّامد، الذي ما زال الشغل الشاغل للسفارات التي أرادت جرّه إلى مطبّ الفتن الداخلية، لتحويل بندقية المقاومة، عبثاً، إلى بندقية ميليشيا، ما يمهد الطريق لوضع اليد الدولية على لبنان ميدانياً، بعدما استفحلت سياسياً وقضائياً، ورغم المبادرات الوفاقية الوطنية، وخاصة مبادرة الرئيس بري الذي لم ييأس حرصاً على وحدة البلد وتماسكه، إلا أن الجحود والانقلاب، على دوره أكثر من مرة، لن يثنيه عن تأكيده أن روحية الـ «19 ــ10ــ1» ما زالت قائمة، لأنها منطلق لأي حل تسووي في المرحلة المقبلة، ومدخل إلى الشراكة الحقيقية في إقرار قانون جديد للانتخابات تجري على أساسه إعادة صياغة السلطة ونتائجها، ليس وفق موازين القوى الخارجية المترنحة، والداخلية، وفق الاهواء والمصالح وآليات الاستنساب، بل، عبر إعادة التوازن الوطني الحقيقي بين مختلف نسيج الشعب اللبناني الذي هو أولاً وأخيراً، أساس السلطة، وأساس الوفاق وأساس العدل!!
وبالتالي اللحاق بركب الدولة العادلة، القادرة، المتوازنة، القائمة على مبدأ المواطنية لا الطائفية، مواطنية حقة، تؤمن بوطن واحد، وتحرص على متطلبات وطنية متساوية للجميع، في الحقوق، كما في الواجبات، وذلك، بعد إبعاد الطائفية والمذهبية والمناطقية عن الجميع. مواطنية يكون الجميع فيها، من رأس الهرم حتى أخمصه، تحت سقف القانون، عن طريق استنهاض مبدأ الثواب والعقاب بين الجميع من دون استثناء، من المواطنين أولاً، يكون فيه الأفضل منهم من يقدم الأحسن والأكثر للوطن، وذلك بعد تفعيل أجهزة الرقابة، وفصل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية حسب اتفاق الطائف الفعلي وعدم تسييس القضاء، ليكون العدل أساس الحكم، فضلاً عن تأمين التقديمات الاجتماعية من ضمان صحي واجتماعي، وضمان شيخوخة وبطالة، وحق التعليم الإلزامي الابتدائي المجاني، والاستشفاء المجاني للفقراء وحق التعويضات الاجتماعية المحقة لجميع المواطنين من دون استثناء، وصولاً إلى البدء بدراسة التشريعات اللبنانية، وتطويرها، مع وضع برنامج انتخابي جديد، متطور وعادل، قائم على الحوار والتفاهم، بين أبناء شركاء الوطن الواحد، برنامج انتخابي، بعيد عن سلطة التسييس والمال والإعلام والسيطرة الداخلية والخارجية، يستطيع فيه أي مواطن كفوء، مخلص لوطنه ويحرص على خدمة إخوانه في المواطنية من دون تمييز، للوصول إلى قبة البرلمان بكل ديموقراطية وشفافية على أساس أن النيابة بالنسبة إليه «تكليف لا تشريف»، تكليف تمثيل شعبه بإخلاص، بعد التوصل إلى انصهار وطني قوي، ضمن تصور مستقبلي لبناني واحد قوي ومحصن داخلياً، وعن طريق توحيد الرؤى حول القوانين جميعها بدءاً بما يجمع المواطنين جميعاً وأنتهاءً بما يختلف عليه، شركاء الوطن!!
إن الحرص على قيام لبنان الواحد الموحد، المعافى والمتوازن، والمتقدم والقائم على دولة المؤسسات والمواطنية الحقة، يكون في حرصنا على انتشال لبنان من الجنوح الأميركي المسيطر، عبر التحصين الوطني الداخلي كمقدمة لتفاهمات محددة بين الأفرقاء اللبنانيين، تمنع الفرقة المهددة بالمواجهة الداخلية!! فالوطنية اللبنانية، القائمة على المواطنية الموحدة والجامعة، تستدعي بسرعة أن تعيد جميع الأطراف اللبنانية قدرتها لإبقاء اللعبة ضمن الأطر السياسية الوفاقية والدستورية اللبنانية بعيدة عن الصراع الخارجي، إلى حين نضوج الظروف الدولية والإقليمية الملائمة لحوار شامل، بحثاً عن حل لأزمات المنطقة!! وهكذا نكون فعلاً، قد حيَّدنا وطننا الحبيب لبنان ونجيناه بالمواطنية الحقة، عن طريق وحدتنا الوطنية، أساس الديموقراطية الحقيقية.