عمر كوش *
يجمع المراقبون والمهتمون بالشأن العراقي على أن قرار إعدام صدام حسين هو قرار أميركي، نُفّذ بأيدي عراقيين متعاونين مع الاحتلال. استعجلوا تنفيذ الحكم، لأن الرغبة العميقة بالانتقام والثأر تتحكم بهم، والعصبية المذهبية تسكن عقليّتهم الضيقة التي تكره الآخر وتحاول على الدوام إلغاءه، لذلك اختاروا موعد تنفيذ حكم الإعدام في الساعات الأولى من أول أيام «الأضحى» كي يكون العيد عندهم «عيدين، لا عيداً واحداً» حسبما جاء على لسان بعضهم.
ويَعتقد من خطّط لمحاكمة صدام حسين، ومن نفذ حكم الإعدام، أن الخلاص السريع منه سيؤمن لهم الأجواء الملائمة عراقياً لإجبار عناصر المقاومة وبعض البعثيين «المغرّر بهم»، على الدخول في العملية السياسية تحت الاحتلال، نظراً لفقدانهم قائدهم ورمزهم. وبالتالي، فإن فكرة التعجيل في الخلاص من صدام حسين، بالطريقة الهمجية والاستفزازية التي تمتّ بها، كانت نتاج رؤية وحسابات سياسية أميركية و«عراقية» ترى أن المقاومة العراقية، وخصوصاً تلك التي يبديها من بقي من عناصر حزب البعث العراقي يحكمها طرفان، الأول «إرهابي متشدد»، والثاني «معتدل» ووسطي. وبالتالي فإن إعدام صدام سيوجه ضربة لجناحها المتشدد، ويقوّي في الوقت نفسه الطرف المعتدل فيها، بما يجعله قريباً من الانخراط في تسوية سياسية مع العراقيين المتعاونين مع الاحتلال في الحكومة العراقية.
غير أن حسابات الإدارة الأميركية الحالية غالباً ما تخطئ، كما بيّن الوضع في العراق بعد أكثر من ثلاث سنوات ونصف من الاحتلال. وقد اضطرّت أخيراً إلى الاعتراف بما يشبه الهزيمة فيه، إذ تحاصرها منذ مدّة توصيات لجنة بيكر ــ هاملتون، التي لا تريد الانصياع إليها، بل تحاول جاهدة الالتفاف عليها، والانفلات من استحقاقاتها. وما إعدام صدام حسين إلا ضرب من محاولاتها المتكررة للخروج من الفشل الذريع الذي أصاب نهجها، واعترى استراتيجيّتها، فحاولت أن تحقق نصراً ما، وخصوصاً أن الرئيس جورج دبليو بوش مشغول على الدوام بتعداد «انتصاراته» في العراق وأفغانستان، ولا شك أنه يعتبر إعدام صدام حسين أحد «انتصاراته» العديدة في العراق.إن من ينظر إلى إعدام صدام حسين من الزاوية السياسية، وفيها يكمن معنى الإعدام ومبناه ومقاصده وغاياته وأبعاده، سيجد أن تحقيق الأهداف المرجوّة منه سيبقى بعيد المنال، نظراً لتحكم العقليات الضيقة والإقصائية، وللإخراج السيئ والاستفزازي لمحاكمة صدام وإعدامه. والواضح هو أن الوضع في العراق سيزداد تعقيداً وتفاقماً، وهناك خشية حقيقية على وحدة البلد وسلامته، أرضاً وشعباً.
وتبيّن الوقائع العراقية، التي تمتدّ ما بين الغزو الأميركي ــ البريطاني والإعدام أن خيوطاً كثيرة ارتسمت، بما يكشف أن إعدام صدام حسين لا يدلّ على بداية حقبة جديدة، بل يعطي إشارة قوية على المظاهر السياسية لمرحلة تتحكم فيها الذهنيات المذهبية والعصبيات العمياء، التي تحكمها آليات الانفعال الظرفية، وتحرّكها غريزة الثأر والقصاص الدموي. ويبدو أن الإدارة الأميركية التي يصدر أصحابها عن أيديولوجيا أصولية متغطرسة ومتعالية ترتاح كثيراً لأصحاب هذه العقليات، بوصفهم أدوات تنفيذ طيّعة لمشاريعها وخططها الاستراتيجية. السؤال الذي يطرح اليوم، وبقوة، هو: ماذا بعد إعدام صدام حسين؟ هل سيشهد العراق وضعاً أفضل؟ وهل ستقدّم إدارة بوش الابن استراتيجية جديدة تقطع مع استراتيجيّتها الهدامة أم سيزداد تفاقم الأوضاع في العراق؟
المشكلة هي أن الاستراتيجيات الأميركية لم تحمل معها سوى الخراب والدمار والفوضى حين يتعلق الأمر بالمنطقة العربية وقضاياها. وربما ستدفع الإدارة الأميركية بالمزيد من القوات الأميركية نحو العراق، كما سبق أن أعلن الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش، الأمر الذي ينذر بأن هذه الإدارة الأميركية لا تنظر سوى إلى الجانب الأمني من مأساة العراق والعراقيين، وبالتالي فلا مناص قريب من هول ما حدث ويحدث يومياً في العراق المحتل.
وبالرغم من كل شيء، يبقى التساؤل مشروعاً، ووجيهاً، حول ماهية الصورة التي سيكون عليها العراق في المدى القريب والمنظور. والخشية هي أن تستمر الصورة التي طغى عليها الدم طوال سنوات الاحتلال الثلاث والنصف الماضية. وينذر تسارع الأمور بعد الإعدام وتداعياته بأن مشاهد الصورة ستكون عنيفة في ظل استمرار احتكام من هم في الحكومة وخارجها إلى العصبيات المذهبية المدمرة.
* كاتب سوري