كمال مساعد *
جنّدت وزارة الدفاع الأميركية البنتاغون 1500 أميركي من أصل عراقي للعمل في الاستخبارات العسكرية التابعة للوزارة للقيام بجمع المعلومات عن الجماعات المسلحة في العراق والتحقيق مع المنتمين إليها بعد اعتقالهم، ويتضمن التدريب طرق انتزاع المعلومات من المحتجزين بواسطة دفع المال أو التخويف أو وسائل أخرى من ضمن 19 أسلوباً لتحقيق الهدف، فيما تزايد عدد الهجمات على أهداف أميركية وعراقية الى مستوى لم يسبق له مثيل بلغ زهاء 1000 هجوم أسبوعياً. وقد أكدت وكالة رويترز ان عدد الجنود الذين يخضعون لدورات مدتها 93 يوماً ليصبحوا «جامعي معلومات بالوسائل البشرية» أي محققين بلغة الجيش، قد تزايد في السنوات الثلاث الماضية إذ زاد من 265 فرداً عام 2003 الى 1070 فرداً عام 2006، ويتوقع ان يزيد العدد الى أكثر قليلاً من 1500 فرد بحلول عام 2009، وتدل الزيادة على حاجة ملحة إلى سد ثغرات في عملية جمع المعلومات. وتؤكد الميجر جنرال بربارا فاست التي تتولى قيادة مركز استخبارات الجيش في فورت هواتشوكا في أريزونا الحاجة إلى تغيير التدريب هنا وملاءمته مع الظروف وتوسيع نطاقه، وتقول «زدنا بدرجة ملموسة قدرتنا البشرية على جمع المعلومات وسنزيدها أكثر». وجاء في تقرير مجموعة دراسة العراق التي تضم أعضاء من الحزبين الأميركيين أن حكومتنا ما زالت لا تفهم جيداً التمرد في العراق ولا دور الميليشيات. وذكر التقرير أن الاستثمار أقل مما يجب في مجال جمع المعلومات وتحليلها. ويضم الجيش وهو أكبر فروع القوات المسلحة الاميركية زهاء 37 ألفاً من أفراد الاستخبارات العسكرية، نحو ربعهم يعمل في جمع المعلومات بالوسائل البشرية. وهو عدد أكبر مما شهدته فترات سابقة كانت أجهزة الاستخبارات الاميركية تركّز فيها على الصور التي تلتقطها الأقمار الصناعية ومراقبة الاتصالات. وقالت فاست في مقابلة «لكن منذ 11 أيلول عام 2001 بصفة خاصة أدركنا أهمية فهم ما لا يمكن رؤيته ولا مراقبته». ويشمل التدريب في فورت هواتشوكا محاكاة للوضع في العراق الى أكبر درجة ممكنة، ويشارك فيه أميركيون يتحدثون اللغة العربية ويؤدون دور عراقيين ويرتدون ملابس تقليدية عراقية. ويقوم التدريب على أساس قواعد للاستجواب يتضمنها دليل ميداني يقع في 336 صفحة عن عمليات جمع المعلومات بالوسائل البشرية، وهو أول دليل جديد.
وتسري التعليمات التي يتضمنها الدليل على الفروع الأربعة للقوات المسلحة وتحظر أساليب الاستجواب القاسية ومنها استخدام الكلاب وتغطية رؤوس المحتجزين وإجبارهم على التعري وأداء ممارسات جنسية أو اتخاذ أوضاع جنسية. وكانت صور جنود أميركيين يستخدمون مثل هذه الأساليب في سجن أبو غريب قرب بغداد نشرت في نيسان عام 2004 قد سبّبت صدمة في أنحاء العالم وألحقت الضرر بصورة الولايات المتحدة وأثارت مناقشات حافلة بالخلاف بخصوص تعريف التعذيب. وكانت فاست، وهي من القليلات اللائي وصلن الى رتبة ميجر جنرال في الجيش الاميركي، أعلى ضباط الاستخبارات العسكرية رتبة في العراق عندما حدثت فضيحة أبو غريب. وبرّأها تحقيق أجراه الجيش من ارتكاب أي خطأ ثم رقّيت قائداً لمركز الاستخبارات في آذار عام 2005، وقالت فاست «لا سبيل لاستبعاد سوء السلوك كلياً. لكن هناك إجراءات تطبق حالياً للرقابة وتحقيق التوازن تجعل حدوثه أمراً بالغ الصعوبة». ومن بين ما يدرسه المتدربون في فورت هواتشوكا اتفاقيات جنيف بخصوص معاملة الأسرى وحماية المدنيين. وينص الدليل الميداني على حظر ثماني وسائل للاستجواب استخدمت في أبو غريب ومعسكر الاحتجاز والاستجواب الاميركي في خليج غوانتانامو.
تأسيس شعبة جديدة للاستخبارات
ولهذه الغاية أُسست شعبة الدعم الاستراتيجي لتزويد وزارة الدفاع الأدوات المستقلة للحصول على منظور شامل للاستخبارات المكتسبة من خلال الأفراد مباشرة، حسب مذكرة داخلية تتعلق بأصل هذه المنظمة الاستخبارية البشرية وطبيعتها تمييزاً عن المعلومات الاستخبارية المستحصلة عبر الصور المأخوذة من الأقمار الصناعية وهي تراوح بين التحقيق مع السجناء وتقصّي بعض الأهداف من خلال تسريب وحدات بشرية إليها في أوقات الحرب، إلى تشغيل الأجانب في مجال التجسس خلال أوقات السلم. وحسب مذكرة صدرت عن البنتاغون أخيراً فإن كسب وكلاء يعملون لمصلحة هذه المنظمة يشمل وجوهاً بشعة سيسبب الكشف عن ارتباطها بالحكومة الأميركية إحراجاً لها.
وتخضع الوكالة «إس.إس.بي» مباشرة لمكتب وزير الدفاع ويشرف عليها وليم بوكيني مساعد وزير الدفاع للاستخبارات. وجميعهم من خبراء اللغات الأجنبية وخصوصاً العربية والفارسية والكردية والأفغانية والباكستانية.
وبالنظر إلى طبيعة المهمات التي تكلف بها هذه الوحدة الاستخبارية فإن غالبية عناصرها تتوزع ما بين لبنان والعراق وسوريا وأفغانستان بينما البقية ينتشرون في اليمن والسودان ودول مجلس التعاون الخليجي.
ويخطط البنتاغون حالياً لنشر عناصر من وحدة الـ«إس.إس.بي» في دول منطقة القرن الأفريقي وفي مقدمها جيبوتي والصومال.
وبقدر ما يعتمد العمل الاستخباري الاميركي على الوسائل الإلكترونية، تعتمد هذه الوحدة في الأساس على المصادر البشرية في عملها من خلال الاتصال المباشر بالسكان والعمل في المناطق المعنية بعملياتها. ومن المؤكد ان ذلك هو السبب المباشر الذي دفع وزير الدفاع الاميركي إلى قبول المقترح الذي تقدم به الجنرال جون أبي زيد قائد القيادة المركزية والذي تعمل وحدة الـ«إس.إس.بي» في نطاق مسؤوليته الجغرافية بالاستفادة من خبرات دول المنطقة في مجال مكافحة المجموعات الأصولية وذلك لزيادة فعالية عمل الوحدة.
وفي هذه الأثناء تستمر المواجهات في العراق ريثما تبدأ واشنطن في تطبيق استراتيجيتها الجديدة، وقد ذكرت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية، ان لجنة الخبراء العسكريين الذين استشارهم بوش في المكتب البيضاوي، التي تضم ثلاثة جنرالات متقاعدين وأكاديميين اجتمعوا به بحضور نائبه ديك تشيني، نصحوا الرئيس الأميركي بزيادة عدد الجنود وقوات المارينز، وبزيادة الموازنة المخصصة للمهمة في العراق. أضافت الصحيفة أن اللجنة أبلغت بوش أن فريقه للأمن القومي قد فشل، وقد تزامن ذلك مع صدور استطلاع أميركي جديد وُصف بالأكثر تشاؤماً منذ غزو العراق، وبث نتائجه تلفزيون «سي بي إس نيوز» الاميركي، ويظهر الاستطلاع أن 62 في المئة من الأميركيين يعتبرون أن إرسال جنود للقتال في العراق كان أمراً خاطئاً، واعتبر 53 في المئة منهم أن الولايات المتحدة ستخسر الحرب في العراق، ووصف 85 في المئة المشهد العراقي بأنه «حرب أهلية» وأعرب 75 في المئة عن رغبتهم في استراتيجيا جديدة في العراق، خلافاً لاستراتيجيا الرئيس بوش.
* كاتب لبناني