محمد وهبة *
بدلاً من أن تحاول الدولة معالجة أسباب الفقر، تصر على تخفيفه بمساعدات لها أشكال وهيئات مختلفة، وتطلق عليها سياسة اجتماعية ستنفذها وزارة الشؤون الاجتماعية التي تبين ان هيكليتها في توزيع المساعدات إثر حرب تموز «قائمة ومتينة»، وهو الأمر نفسه حصل أثناء الحرب مع وزارة الصحة التي حاول أحد العاملين المعروفين فيها «بيع» أدوية المساعدات، ما اضطر الوزير محمد خليفة آنذاك الى تعيين مستشاره مسؤولاً عن توزيع الأدوية في المستودعات.
إلا أن التحديات التي تتحدث عنها الورقة الإصلاحية بشقها التفصيلي هي شبكات الأمان الاجتماعي الضعيفة التي «لا يمكنها ان تمتص أي خضات»، والاستراتيجيات القطاعية غير الكافية أو الغائبة، وأيضاً التنسيق والتخطيط الغائبان بين الوزارات.
4 في المئة فقط!
وبحسب الورقة الإصلاحية وملحقاتها عن تعزيز شبكات الحماية الاجتماعية، فإن 4 في المئة (150 ألف مواطن) يعانون فقراً مدقعاً والى جانبهم 25 في المئة «يعيشون في مشقة نسبياً»، وتعدهم الورقة بصرف مساعدات تبلغ 75 مليون دولار تحت عنوان «تخفيف الفقر».
وعلى رغم قابلية أرقام العملة الخضراء لتكون مصدراً أساسياً لخلافات محورها طريقة صرف هذه المبالغ، إلا ان عدم واقعية الأرقام المبني عليها والتي تتناقض مع أرقام بعض المؤسسات الدولية، تدفع الى التشكيك في طريقة الصرف والتوظيف السياسي المحتمل له.
وفي هذا السياق اعتمد تقرير لـ«الإسكوا»، يجمع الخبراء على اعتباره أكثر واقعية، على دراسة قام بها فريق منه، أشارت الى ان مليون لبناني يعيش تحت خط الفقر، منهم ربع مليون في فقر مدقع، ما يجعل من نسبة الفقر المدقع ترتفع الى نحو 15 في المئة من عدد سكان لبنان البالغ 3 ملايين و755 ألفاً وفقاً لتقرير «الأوضاع المعيشية للأسر 2004».
بنت الحكومة على أرقام دراسة «خارطة أحوال المعيشة» عام 1998 لافــــــــــــــتة الى انها ستعتمد على «القياس النقدي للفقر» مستقبلاً، فيما تنكّرت لتسع سنوات صرفها فقراء لبنان في فـــــــــــــــقرهم، ولم تلــــــــــــحظ نتائج هذه السنوات التي رفعت فيها شعارات مثل الخطة الخمسية وضرورة وقف تنامي الدين العام، ومرت فيها الأسر اللبنانية باختبار الضريبة على القيمة المضافة بنــــــــــــسبة 10 في المئة وارتفاع أسعار النفط (ارتفاع التـــــــــــدفئة في المناطق) وضــــــــــــــرائب متنوعة، وكان الختام في الفترة الأخيرة اعتباراً من شــــــــــباط 2005 الى حرب تموز ومن ثم اليوم.
أن تعيش فيزيولوجياً
وفيما تغيب معايير القياس العالمية عن أي دراسة للفقر في لبنان، يعتبر الخبراء ان قياس خط الفقر يعتمد على الغذاء والعيش فيزيولوجياً ضمن دخل معين حدد بنحو 300 دولار لخط الفقر الأدنى و600 دولار لخط الفقر الأعلى.
وتفترض شروط القياس العالمية لخطوط الفقر الاستناد الى مسوح أو تحقيقات ميدانية مصممة خصيصاً لهذه الغاية، وتفترض هذه المعايير الاستناد أيضاً الى أوضاع قطاعات: منها التعليم والصحة ومياه الشرب والصرف الصحي، ونظراً إلى غياب هذه المسوح فإن أغلب الدراسات ركزت على خط فقر غذائي.
واعتمدت دراسة قامت بها مؤسسة البحوث والاستشارات بتكليف من الصندوق الاقتصادي والاجتماعي في لبنان عام 2001 لقياس الفقر، على خط الفقر الغذائي الذي حدد بإنفاق شهري لأسرة وسطية (4.64 أشخاص) يعادل 2.2 دولار للفرد في اليوم يعادل 310 دولارات شهرياً، بينما حدد خط الفقر الأعلى بإنفاق شهري لأسرة وسطية (4.64 أشخاص) يعادل 782 دولاراً شهرياً.
واعتمد مركز البحوث والاستشارات لإنجاز دراسته على منهجية قياس خط الفقر الغذائي تم فيها تحديد سلة السلع الغذائية الأساسية الضرورية، والأقل تكلفة، لتوفير السعرات الحرارية والمكونات الغذائية الضرورية للأسر بحسب المعايير الدولية، مع لحظ التركيب العمري والجنس، إضافة الى تقدير تكلفة توفير سلة الغذاء الأساسية بحسب سعر السوق مع لحظ التفاوت في مؤشر الأسعار بحسب المناطق، وتقدير قيمة الاستهلاك الذاتي للمواد الغذائية.
وخلصت الدراسة الى ان الأسر التي يقل دخلها عن 800 ألف ليرة شهرياً، تنفق 42 في المئة من دخلها على الغذاء.
وفي سياق إيراد بعض المؤشرات، ووفقاً للأرقام المتداولة في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، فإن متوسط الأجور العامة بحسب الصندوق هو دون 600 ألف ليرة أي أكثر بقليل من مستوى الفقر المدقع.
الركائز الأربع... والسياسة
ولمعرفة نسبة الإنفاق على البنية التحتية للركائز الأربع المكملة لخط الفقر الأدنى ولنسبة التداخل السياسي بين الإنفاق والاستغلال لأهداف سياسية يروي الدكتور ميشال مرقص في أحد مقالاته المنشورة انه ومنذ إنشائه «ربط وسط بيروت التجاري بشبكة طرق وأوتوسترادات وجسور وأنفاق بتكلفة 3,4 مليارات دولار أميركي، وبلغ مجموع ما أُنفق على كل المناطق اللبنانية خارج بيروت مليار دولار». وربما هذا كان أحد الأسباب التي حفّزت الفضل شلق على وضع خطة للبنية التحتية الإنمائية ضمن أفق 15 سنة «من خلال تظهير الخيارات الاستراتيجية المتعلقة بكل من القطاعات»، مركّزاً على «ضرورة إعادة ترتيب الأولويات والممارسات». وتتطرق الخطة الى القطاعات الأساسية التي تعنى بالخدمات العامة وبينها الصرف الصحي، الاستشفاء، التعليم العام، التقديمات التربوية، مياه الشفة، الدواء، الصحة الوقائية، التقديمات الصحية وغيرها من الخدمات العامة.
فقر تحت السيطرة
وفي إطار آخر، حصرت الورقة الإصلاحية لمؤتمر باريس 3 وملحقها التفصيلي، أي عمل على مستوى مكافحة الفقر بوزارتي الشؤون الاجتماعية والصحة العامة وبعض البرامج التربوية ــ التعليمية، وقالت ان وزارة الشؤون «تنوي العمل على خفض مستويات الفقر في مختلف المناطق اللبنانية ومن أهم هذه البرامج تقديم المساعدات المباشرة النقدية للمسنين الفقراء»، وخصوصاً في النقاط الجغرافية التي ترزح ما وراء الخط الأدنى وخصوصاً في منطقتي بعلبك الهرمل وشمال لبنان.
وفي المقابل تعتبر الورقة ان «نسبة الفقر في لبنان تبدو محدودة وتحت السيطرة»، وهو يتركز في الأسر الكبيرة وتلك التي ترأسها نساء وفيها معوقون ومسنون وأفراد أميون. ويفترض السيناريو الاجتماعي لخطة الحكومة التي يناقشها وزير المال جهاد أزعور حالياً مع بعض المؤسسات المعنية مثل الصندوق الاقتصادي والاجتماعي للتنمية وبرنامج تنمية المجتمع وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية، وطلب إليها وضع ملاحظاتها خطياً، يفترض انه يجب «تحديد المستفيدين» بسبب غياب «سياسة اجتماعية» و«إعادة توزيع المدارس الرسمية» بشكل يتناسب مع «خصائص الفقر وخصائص لبنان».
وتقترح الورقة تحت عنوان «تخفيف الفقر» إنفاقاً سنوياً يعادل 43 مليون دولار، بينها مساعدات مقدارها 22 مليون دولار، وكلها مفصلة وفق التالي: توسيع نطاق برنامج وزارة الشؤون الاجتماعية لتغطية المسنين بتكلفة سنوية تبلغ 5 ملايين دولار أميركي، ومساعدة الأسر التي تعيلها نساء بـ5 ملايين دولار سنوياً، ودعم الأسر الفقيرة ــ الكبيرة بـ4 ملايين دولار سنوياً، والأسر التي يوجد فيها فرد معوق بـ2 مليون دولار سنوياً، وبرنامج توفير حقوق المعوقين بـ3 ملايين دولار سنوياً، وتحسين الرعاية المؤسسية للمعوقين بمليون دولار سنوياً، ومعالجة الأطفال العاملين والمعرّضين لخطر النزاع القانوني بـ6 ملايين دولار سنوياً، وإعفاء الأسر الفقيرة جداً من رسوم بمليون دولار سنوياً، ومعالجة التسرب المدرسي بـ8 مليون دولار سنوياً، وتحسين برنامج التغذية المدرسية بنحو 2 مليون دولار، ومراكز تأهيل للتلاميذ بنحو 5 ملايين دولار، وهي تلتزم خفض معدلات وفيات الرضّع والأمهات بمساعدات مقدارها 6 مليون دولار، وتطوير برنامج الصحة المدرسية بنحو 3 ملايين دولار، ونظام الرعاية الصحية المجانية بنحو 4 ملايين دولار سنوياً، وتوسيع تغطية الفقراء المصابين بأمراض مزمنة بنحو 5 ملايين دولار سنوياً، أما برامج التنمية المحلية لتشكيل شبكة أخرى للأمان الاجتماعي فهي تحتاج الى 12 مليون دولار.
ويورد الملحق التفصيلي للورقة الإصلاحية نيات وزارة الشؤون الاجتماعية تطوير مشاريع التنمية الريفية، استحداث برامج تتيح توسيع التغطية لتشمل فئات جديدة من الأفراد والأسر، مكننة الوزارة، تحديث عمل مراكز التنمية الاجتماعية كوسيلة لتحقيق تنمية محلية متكاملة، وإنجاز قاعدة بيانات اجتماعية شاملة.
ويتطرق الملحق الى أهداف وزارة الصحة التي يبدو أنها تخلت عن وضع سياسة صحية شاملة لمصلحة الخدمات الصحية وتقويم عمل المستشفيات وتوسيع شبكة الرعاية الصحية... وكل ذلك سيضاف الى خطة الحكومة الإعلامية.
وكانت الورقة قد وضعت حداً زمنياً فاصلاً لمهماتها المذكورة يتراوح بين نهاية 2006 ومنتصف 2008. علماً ان كل ذلك يتطلب توافر بيانات إحصائية تفصيلية غير موجودة عن إنفاق الأسرة ودخلها، وعن أسعار السلع، وعدد من المؤشرات الأخرى.
* صحافي لبناني