من العراق اللبناني إلى لبنان العراقيمحمد سلمان

المشهدان العراقي واللبناني ماثلان اليوم في الأجندة السياسية والعسكرية والاقتصادية والإعلامية للولايات المتحدة والمثقلة بأوزار الحروب الاميركية في فيتنام والبلقان وأفغانستان، حيث كانت «البلقنة» الأميركية للمنطقة هي «لبننة» العالم العربي في السبعينيات: اقتتالاً داخلياً وحروباً أهلية، لحماية «كمب دايفيد» الذي أخرج النظام المصري لا الشعب المصري من دائرة الصراع العربي ــ الاسرائيلي، واليوم تتجدد «البلقنة» بنقل المنطقة العربية من العراق اللبناني الى لبنان العراقي على خلفية التخطيط الاميركي والاسرائيلي والأطلسي لإشعال فتن طائفية ومذهبية وصولاً الى «حروب أهلية لبنانية» تحمل المشاريع الآتية:
1 ــ تفريغ الانتصار اللبناني على العدوان الاسرائيلي من بعده الوطني والقومي والتحرري، وذلك بوصف الانتصار على انه مكسب لطائفة لبنانية، وهزيمة وإلغاء لدور الطوائف الأخرى في الحياة السياسية والمؤسسات الدستورية اللبنانية، وقد انزلق بعض الجماعات الحزبية والتجمعات السياسية في الترويج لهذا القول والادعاء، لإغراق الساحة اللبنانية بالمشاهد العراقية الخلافية والتصادمية والدموية، وهذا ما يصب مباشرة في الخانة الاسرائيلية.
2 ــ تحويل وجهات النظر اللبنانية المتعددة والمطروحة لمعالجة الوضع الراهن، الى نزاع عرقي وإثني ومذهبي يؤدي الى تقسيم لبنان «فيدراليات طائفية» ومحميات أميركية ــ اسرائيلية، كما هي الحال الآن في العراق لتقسيم الوطن العراقي الى مجموعة دويلات مذهبية وعرقية تحت المظلة الاميركية ــ البريطانية.
3 ــ نزع سلاح المقاومة اللبنانية التي صنعت الانتصار الوطني على العدوان الاسرائيلي، كي يتجرد لبنان من قوّة الردع والمواجهة ضد الاعتداءات والأطماع الاسرائيلية، ما يؤكد ان نزع هذه السلاح هو مطلب اسرائيلي بامتياز، مع ما يرافق ذلك من إعلام داخلي وخارجي يزعم ان سلاح المقاومة قوة لفئة لبنانية تستقوي به على الفئات الأخرى في الجنوب والداخل، وصولاً الى وضع المقاومة في صيغة الخوف والتخويف منها، ونعتها بمفردات الإرهاب الأميركي في العراق والإرهاب الاسرائيلي في فلسطين.
4 ــ إدخال لبنان في محور ما يسمّى محور الاعتدال العربي الذي يغازل الاحتلال الاميركي للعراق، والذي وصف المقاومة اللبنانية وصمودها بالمغامرة، وصولاً الى محاسبتها ومساءلتها، وهذا ما يتطابق مع التوصيف الاسرائيلي للمقاومة اللبنانية.
وهنا يتماثل الوضع العراقي مع ما هو مرسوم أميركياً واسرائيلياً للبنان في النقاط الآتية:
أولاً: تسخين الاحتكاك الحدودي بين العراق وإيران وتركيا لأسباب أمنية عراقية، ومحاولة اصطناع احتكاك حدودي بين لبنان وسوريا، تحت بند مراقبة تهريب السلاح من الأراضي السورية الى لبنان ومنعه، تطبيقاً للقرار 1701.
ثانياً: التوأمة بين السياسة العشائرية والقبلية العراقية وبين سياسة الميليشيات والطوائف اللبنانية، لأن هاتين السياستين خاضعتان لتوجيهات الإدارة الأميركية.
ثالثاً: إخراج لبنان والعراق من دول الطوق أو التطويق العربي لإسرائيل، وتحويلهما نظامين متسالمين مع إسرائيل على قاعدة الاعتراف الديبلوماسي والتبادل التجاري والتعاون الأمني والشراكة السياحية.
رابعاً: اعتماد الساحتين اللبنانية والعراقية حقل تجارب للسياسة العسكرية والاقتصادية والأمنية الأميركية ذات العلاقة بإقامة الشرق الأوسط الجديد، كجزء من الامبراطورية العــــــــــــــــــسكرية للولايات المتحدة.
وهذا ما يشير إليه أستاذ العلاقات الدولية في جامعة «جورج تاون» الأميركية، الدكتور «مايكل هدسون» بالقول: يحق للولايات المتحدة استخدام الضربات العسكرية الاستباقية في كل مكان من العالم للحفاظ على مصالحها الحيوية نفطياً، والإمساك بمفاصل الممرات والمواقع الاستراتيجية في العالم.