وليد شرارة *
ليس سراً أن بعض قوى الرابع عشر من شباط سعى بوعي منذ بداية الأزمة في لبنان الى دفع الاوضاع باتجاه الصدام الأهلي. كان من شبه المستحيل ان تفوت هذه القوى الفرصة التاريخية التي أتاحتها الهجمة الاميركية على المنطقة وانعكاساتها المؤقتة على موازين القوى المحلية والاقليمية لتحاول مجدداً استعادة دورها المفقود وإحياء إماراتها التي اندثرت منذ نهاية الحرب وعودة السلم الاهلي. طبيعتها العميقة دفعتها لذلك، فهي بقيت أولاً وأساساً ميليشيات طائفية يحكمها منطق الحرب الأهلية وثقافتها واندراجها ضمن استراتيجيات راع اقليمي او دولي وحسابات نخبها المتعطشة للسلطة بلا حدود ولا ضوابط. وهي ترى منذ وصول المحافظين الجدد الى السلطة في واشنطن، انها الشريك الطبيعي للسياسة الاميركية التي تعمل على تقسيم دول المنطقة الى كيانات طائفية وإثنية. لا شك في انها نظرت بأمل الى انفجار العنف المذهبي في العراق والى الاستقطاب السني ــ الشيعي الناجم عنه على مستوى الاقليم، وكانت السباقة الى ربط المواجهة السياسية الدائرة في لبنان بهذا الاستقطاب عبر الحديث عن الهلال الشيعي وضرورة التصدي له. مراجعة لتصريحات النائب وليد جنبلاط والسيد سمير جعجع تكفي للتأكد من ذلك.
الخطير اليوم هو نجاح هذه القوى في جر ابرز مكون من مكونات الاغلبية الحكومية والممثل لتيار الاعتدال وهو تيار المستقبل، الى السير خلف استراتيجيتها. ما يرتسم في الافق في حال استمرار الامور على ما هي عليه هو وقوع الكارثة التي يخشاها اغلب اللبنانيين، لأنه لا قيامة للبنان بعدها وهي الفتنة الشيعية ــ السنية. هذه الفتنة هدف مركزي للولايات المتحدة واسرائيل وللجماعات الميليشيوية المذكورة سلفاً، خدمة لمصالحهم واستراتيجيتهم التي باتت تقتضي تقسيم المشرق. ستعمل هذه الاطراف بكل الوسائل لبلوغ هذا الهدف، ومن المؤكد أن السياق الاقليمي المتوتر مذهبياً سيسهل عليها مهمتها. على غالبية اللبنانيين أن تقرر ما اذا كانت ترغب في أن تنساق في المخطط الذي سيغرق بلدهم مجدداً في الحرب الاهلية، لكن على النمط العراقي هذه المرة. الاحتلال الاميركي خطط للحرب الاهلية وفجّرها للقضاء على المقاومة المتصاعدة ومنع توحيد الشعب العراقي تحت رايتها في مواجهته. الاحتلال الاسرائيلي والولايات المتحدة شجعا بعض اطراف السلطة الفلسطينية على خوض الحرب الاهلية للقضاء على قوى المقاومة في فلسطين. الامر نفسه ينطبق على لبنان. صحيح أن حزب الله وحلفاءه اوضحوا منذ بداية تحركهم الشعبي انهم لن ينجرّوا الى الفتنة مهما كان الثمن الذي عليهم دفعه، ومهما كانت طبيعة الاستفزازات. لكن المدرك لحقيقة البنية الاجتماعية اللبنانية ولعمق الانقسام العمودي داخلها، يعرف ان قدرة اي طرف على التحكم بمجرى الاحداث تبقى محدودة وخاصة عندما تتضافر العوامل المحلية والاقليمية والدولية لدفعها في وجهة معينة. لجميع هذه الاعتبارات، ومهما كانت اهمية الخلافات بين القوى الحريصة على وحدة لبنان وعروبته، وهو ليس حال قسم من معسكر الرابع عشر من شباط، على هذه القوى العودة للبحث عن مساحة مشتركة للتلاقي والحوار قبل فوات الأوان.
* كاتب لبناني