أرنست خوري *
تتفاخر قيادات الحزب الشيوعي اللبناني، وخاصة تلك التي تعاقبت في مرحلة ما بعد الحرب الأهلية (بالإذن من أصحاب نظرية حروب الآخرين على أرضنا)، بأنها كانت الوحيدة من بين الأحزاب والقوى السياسية اللبنانية، التي شرّعت أبواب المراجعات النقدية لخيارات حزبها على امتداد تاريخه الطويل، لاستراتيجياته وتحالفاته، وتقديراته لمتطلّبات المراحل وتقويمه المهمات النضالية.. الى أن وصل الأمر ببعض «المحبّين» الى اعتبار أنّ الشيوعيين باتوا متخصّصين في عملية «جلد الذات» وأنّهم لم يكتفوا بالاعتراف بالأخطاء و«نقد الذات».
لقد بدأت هذه «الجرأة» في التبلور منذ انتــــــــــهاء فصــــــــــول المعارك القتالية، قصدنا منذ المؤتمر الوطــــــــــــني السادس للحزب (عام 1992).
إذا كان الشيوعيون يجمعون في ما بينهم على مفصلية مؤتمر حزبهم الثاني عام 1968 لما حمله من تجديد في الفكر والسياسة والتنظيم، فإنهم من دون شك يختلفون في تقويمهم نتائج مؤتمرهم الأوّل في زمن «جمهورية الطائف». لعلّ أبرز ما يهمنا في هذه السطور من نتائج وتوصيات المؤتمر المذكور، هو تحميل القيادة لنفسها آنذاك، بالإضافة الى سابقاتها، مسؤولية التخلّف عن المبادرة الجدّية لتجميع قوى اليسار في لبنان، وبالتالي وُضعت هذه المهمة على رأس الشعارات المرحلية لعهد القيادة المنتخبة.
توقّفت حماسة المجلس الوطني للحزب (الذي حلّ مكان اللجنة المركزية) ومكتبه السياسي عند هذا الحد. كان لا بدّ من انتظار تأسيس «التجمع الوطني للتغيير والإنقاذ» الذي عانى أزمة عقم منذ ولادته القيصرية أنهت مسيرته بموت سريري من دون أن يتبرّع أحد من الأطراف الأربعة المكوّنة للتجمّع (الحزب الشيوعي، حركة الشعب، الحزب الديموقراطي الشعبي والتنظيم الشعبي الناصري) بالإعلان الرسمي عن انحلال عقده.
كثيرة كانت المبادرات والمحاولات الإنقاذية التي قام بها الأمناء العامون للحزب الشيوعي منذ عهد الشهيد جورج حاوي وصولاً الى الدكتور خالد حدادة. كانت كلّها «مبادرات وطنية» صيغت تحت عناوين «المصالحة الوطنية» و«مدخل للإنقاذ»... كانت كلّها محاولات لم تجد الصّدى المطلوب في الوسط السياسي، فتنبّهت قيادة الحزب الحالية الى أنه لا جدوى من ابتداع المبادرات ذات الطابع الوطني قبل تجميع الكتلة الاجتماعية ــ السياسية ــ الشعبية القادرة على الدفع بها الى الوسطين السياسي والإعلامي.
إنّ ما سمعه الشيوعيون من أمينهم العام في عيدهم الـ82، أواخر شهر تشرين الأوّل المنصرم، كان جديداً في الشكل والآلية والمضمون، فبعد خطاب سياسي تخطّى الصفحات التسع، ختم السكرتير السادس للحزب الشيوعي اللبناني كلامه باقتراح عقد لقاء موسّع يضمّ كل قوى اليسار من تنظيمات وقوى وأفراد وشخصيات تجمع على نقاط «الحد الأدنى» من «وصفة اليسارية» في لبنان، وهي ما سمّاها د. حدادة «البديهيات الثلاث»: مواجهة المشروع الأميركي ــ الاسرائيلي والتغيير الديموقراطي من أجل لبنان عربي علماني ديموقراطي وأخيراً الانحياز لمصالح الفئات الاجتماعية المتضرّرة من السياسات الاقتصادية.
تطوّر الطرح في ما بعد، إذ اقترح حدادة، خلال لقاءاته الصحافية المتلاحقة، على «الرفاق» المعنيين تحمّل المسؤولية واعتبار أنفسهم أصحاب الدعوة بغية حشد أكبر عدد ممكن من اليساريّين نهار 6 كانون الأوّل تحضيراً لتأليف إطار يساري يفتح الباب أمام الشباب اليساري لينشط بفعالية، من دون أن يكون مضطرّاً للانخراط في صفوف الحزب الشيوعي.
لماذا أتت دعوة حدادة على هذه الشاكلة؟ لماذا اختيار هذا التوقيت بالذات؟ هل تكفي «البديهيات الثلاث» للتأسيس لأرضية صلبة لـ«شعب اليسار» كي يؤدي هذا الأخير دوره التاريخي في مرحلة تبدو الأخطر بكل المقاييس منذ 16 سنة، في بلد قد يكون الميدان الأصعب لليسار العلماني العروبي الأنتي ــ ليبرالي؟
أولاً: في الشكل
يبدو شكل المبادرة المذكورة أعلاه غير مألوف في العمل السياسي «البيني» والجبهوي في لبنان. تبدو مبادرة «لقيطة»، أطلقها د. حدادة من دون تحديد هوية والديها الشرعيين، وبقيت مفتوحة لكل من يعتبر نفسه يسارياً منسجماً مع «البديهيات الثلاث»، لا شروط مسبقة، ولا أوراق برنامجية جاهزة ومطروحة على الطاولة، ولا فيتو على أي تيار، ولا لجان تحضيرية تحدّد جدول أعمال الجلسات التشاورية في السادس من كانون الأوّل، ولا ادعاءات بالمقدرة على اجتراح المعجزات، ولا أوهام باستعادة قريبة لعهد كان اليسار فيه يشكّل الرقم الأصعب في كل معادلة...، هي ببساطة خشية مزدوجة تستشعرها قيادة الحزب الشيوعي.
خوف على بلد ينتظر أبناؤه «ساعة الصفر» لا لينزلوا الى الشوارع فحسب، بل ليفرغوا كل ما في داخلهم من أحقاد طائفية ومذهبية وعشائرية... وخوف هو مسبّب رئيسي للهمّ الأوّل، وهو تخوّف جدّي على ما وصل اليه وضع اليسار في هذا البلد. هي ببساطة حاجة ملحّة استشعرتها قيادة «الشيوعي» عند قوى وتنظيمات وقوى وشخصيات يسارية عديدة للاجتماع وصياغة إطار جامع. فقرّرت قطع نصف المسافة وترك النصف الآخر للآخرين: يتداعى الجميع عبر اتصالات معظمها هاتفية، يأتي الجميع من دون إسقاطات ولا مواقف مسبقة تجاه أي طرف آخر، يستمع الجميع الى مقترحات الجميع، تُؤلَّف هيئة تنسيق تتابع أعمال ومشاورات ما بعد اللقاء الموسّع، يُتصل بمن يراه المؤتمرون مفيداً في متابعة العمل ولم يحضر...
يتطلّب القيام بمثل هذه الخطوة جرأة استثنائية من الحزب الشيوعي للتعبير عن الحاجة الملحّة إلى إيجاد إطار يساري مماثل، حتّى لو كانت حسابات الحزب لا تنفصل عن خشيته من فشل المحاولة. مما لا شكّ فيه أنّ «نصف التبنّي» لفكرة عقد اللقاء يعود في شكل أساسي لهذا الاحتمال، فقيادة الحزب الحالية ليست أبداً في أفضل حالاتها، وهي غير قادرة على تحمّل تبعات انتكاسات إضافية خلال سنتها الأخيرة قبل انعقاد المؤتمر العاشر للحزب أواخر عام 2007.
ثانياً: في التوقيت السياسي وتحديد الموعد
لا شكّ في أن فكرة اللقاء الجامع هذا لم تكن «بنت ساعتها»، فمنذ وصوله الى منصب الأمانة العامة أواخر عام 2003، لم يتردّد د. حدادة في التلميح مراراً إلى ضرورة عقد لقاء مماثل، إلا أنّ الأزمات التنظيمية الحادة والمتلاحقة التي عصفت بهيئات الحزب وقطاعاته من جهة، ودخول البلاد في أزمة وطنية غير مسبوقة منذ عام 2004 من جهة أخرى، كلّها عوامل حالت دون تمكّن الحزب من الدفع في الاتّجاه المرجوّ. أمّا وقد وصلت أزمة هذا النظام الطائفي ــ البورجوازي الى ما وصلت إليه، فقد تكون قيادة الحزب قد أدركت أخيراً أنها إمّا أن تبحر في رحلة الألف ميل في أقرب وقت، وإما أنّ الخطوة الأولى لن تحصل أبداً!
في ما يخصّ تحديد موعد اللقاء، أي نهار 6 كانون الأوّل المقبل، يعتبره كثر «ضربة معلّم» من الحزب. إنّ الاجتماع في ذكرى ميلاد الشهيد كمال جنبلاط، هو رسالة موجّهة الى طرف شكّل سابقاً عموداً من أعمدة اليسار في لبنان، عنينا الحزب التقدمي الاشتراكي. باختياره هذا التاريخ بالذات، ونظراً إلى التدهور الدراماتيكي الذي طرأ على علاقة الحزبين الشيوعي والاشتراكي، أراد الأوّل تذكير مناصري الحزب الجنبلاطي بأنّ حزب «المعلّم» ما عاد يشبه البتّة حزب «وليده» الذي لم يرث من والده سوى الموقعين الطائفي والطبقي اللذين حاول كمال جنبلاط نفسه التخفيف من مساوئهما. أما الوريث الشرعي ليسارية مؤسّس «الاشتراكي»، فهو الحزب الشيوعي.
فحوى الرسالة الموجّهة الى كل من يهمّه الأمر يختصر بأنّ من يقرّر العودة الى تراث جنبلاط الأب فهو مرحّب به، أمّا «الجنبلاطيون الجدد» العائدون الى مواقعهم الطائفية المستقوية بالأجنبي، فمن المستحيل تصنيفهم تحت أي تعريف حتّى أكثر أشكال «اليسارية» انفتاحاً وليبرالية!
ثالثاً: نقاش في «البديهيات الثلاث»
اتّسمت الخيارات الكبرى لقيادة الحزب الشيوعي، وخاصّةً منذ عام 2000 بالبعد التكتيكي وبغياب البعد الاستراتيجي. نزعم أنّ هذا يعود الى تخلّي تلك القيادة عن الكثير من «المخزون النظري» الموجود في أدبيات مفكري اليسار التاريخيين.
لقد حدّدت مؤتمرات الحزب السادس والسابع والثامن والتاسع، أولوية التغيير الديموقراطي (أي الضغط لفرض إلغاء الطائفية). أتت مناسبات عدّة اضطرّت خلالها «النخبة الحزبية» إلى اتخاذ مواقف وتحالفات الى جانب قوى طائفية، أحياناً كثيرة تحت حجج «سياسوية» بحتة. نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: انتخابات المتن الفرعية عام 2001، الانتخابات البلدية عام 2000، مواجهة باريس 2 وتظاهرة 10 أيّار المطلبية، نتائج اغتيالات عام 2005 وقيام معسكرات 8 و14 آذار، الموقف المقاوم خلال العدوان الاسرائيلي ــ الأميركي على لبنان وبعده...
أمام هذه الأحداث الجسام، راحت قيادة الحزب تنظّر لصوابية خياراتها القاضية بعدم الدخول في أي تحالف يعمل أطرافه «بالجملة»، أمّا عن البديل فهو الانفتاح على الجميع من باب التعامل «بالمفرّق» حسب الملفات التي «نتفق عليها معهم». كان يمكن كلامنا هذا أن يتعدّل لو أعلن عن «وثيقة التفاهم» مع التيار الوطني الحر، التي طالما روّج لها الحزب من دون أن تُطلق الى عالم النور (بالمناسبة لماذا لم يحصل ذلك؟).
كان لا بدّ للحزب الشيوعي من أن يدرك أخيراً أنّ من شأن هذه الطريقة بالتعاطي مع الآخرين إيصال الحزب الى حالة عزلة سياسية أقسى من العزلة التي يعانيها اليوم. كان لا بدّ من وضع جملة أسس متكاملة (البديهيّات الثلاث)، والمراكمة عليها لجمع القوى والشخصيّات «التي تشبهنا»، حتّى لو كان مستوى تمثيلها الشعبي متواضعاً في بلد الـ18 طائفة. إنّ مشكلة البنود الثلاثة تلك، هي أنّها محاور عامّة جدّاً وتتضمّن عناوين مفصلية ليست بالتفصيلية، فهل سيتفق المتشاورون في اللقاء المرتقب على مواقف موحّدة منها؟
1 ــ مواجهة المشروع الأميركي ــ الاسرائيلي في المنطقة
هل يكفي اتخاذ الموقف العام المحتضن للمقاومة في مواجهة العدوان الاسرائيلي ــ الأميركي المدعوم دوليّاً (إن السكوت عنه في هذه الحالة يعدّ دعماً كاملاً) على لبنان وفلسطين والعراق من ضمن مشاهد مشروع الشرق الأوسط الكبير؟ ماذا عن خطر نهضة التيارات الإسلامية التكفيرية التي تنشط تحت شعار المقاومة نفسه؟ ماذا عن الأنظمة التي استباحت حقوق شعوبها وثرواتها وحرياتها بأسوأ الأشكال تحت شعار «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة»؟ هل سيتبنّى المؤتمرون مقترحاً عملياً لتعميم المقاومة على نسق قوات «الأنصار» أو «الحرس الشعبي» بغية تحرير السلاح من مبدأ احتكاره من الطائفة الشيعية (في لبنان)؟ هل سيوحّدون النظرة تجاه حزب الله كحركة مقاومة إسلامية باتت تتميّز اليوم بالبعد الوطني لعملها العسكري والسياسي؟ إذا كان الرد إيجابياً، فكيف سيكون شكل التعاطي مع «حزب الله» مستقبلاً وهو يرفض الخوض في أي نقاش يتعلّق بعلمنة المجتمع، ويحصر موافقته بإلغاء التقسيم الطائفي لمناصب السلطة والوظائف الحكومية؟
إنّ التحدّي الأكبر الذي سيواجه اليساريين يبقى أن يتحسّسوا الحاجة إلى البدء بالتفكير في شكل مشروع يساري للمقاومة ولما بعد المقاومة ومحتواه، مشروع يخرجهم من «الثنائيات الشيطانية»: إمّا الأنظمة الرجعية الفاشية القمعية وإما الاحتلال والعمالة، إمّا الأصوليات الاسلامية وإما الإمبريالية، إمّا جورج بوش وإما بن لادن... كلّها ثنائيات تشبه هلوسات بوش: «إمّا نكون مع قوى الخير وإما نناصر قوى الشّر!!!».
إنّ الحذر في التعبير عن أفكار أطراف اللقاء اليساري ومخاوفه حيال هذه العناوين لن يكون سوى ثغرات قاتلة من شأنها إجهاض الإطار اليساري قبل ولادته.
2 ــ التغيير الديموقراطي من أجل لبنان عربي ديموقراطي علماني
من المتوقّع أن يجمع المتشاورون على رفض صيغة الديموقراطية التوافقية التي تحكم «الأعجوبة اللبنانية» منذ عهد ميشال شيحا حتّى اليوم. أمّا عن العروبة المقصودة للبنان، فهي العروبة المنفتحة، عروبة تقدمية لا ماضوية. إنّ النقاش الجدّي سيبدأ حين يصل الى تفاصيل العلمانية في البلد.
إنّ المقصود بالعلمانية ليس إلغاء الطائفية السياسية فحسب، في شكل تبقى فيه جدلية علاقة المواطن بالسلطة السياسية خاضعةً لـ«ديكتاتورية الطائفة» كوسيط إلزامي، وفي شكل تبقى فيه أشكال إعادة إنتاج الوعي والسلطة محكومة بأولوية الانتماء إلى الطائفة أوّلاً، وبقيم التوازن الطائفي والانصهار...
على أهل اليسار أن يؤكّدوا مجدّداً، أنّ العلمانية المقصودة تبدأ بإلغاء الطائفية المجتمعية من أوكارها الأكثر فعالية: المدرسة، الجامعة، الأحوال الشخصية، الوظيفة العامة... وصولاً الى تجسيد لاطائفية السلطة كانعكاس طبيعي في البنية الفوقية (السلطة السياسية) لشكل البنية التحتية وطبيعتها (أنماط الانتاج الاجتماعية).
على المجتمعين أن يعترفوا بأنّ «عدّة الشغل» المعتمدة، باتت غير ناجعة اليوم. إنّ مستلزمات بلوغ الهدف المنشود تستوجب وسائل نضالية من نوع جديد: في الإعلام والدعاية، في المسرح والفن عموماً، في الشارع والمدن والأحياء، اقتحام مناطق باتت شبه مغلقة في وجه العلمانيين، خلق منظمات مدنية غير حكومية تتمتّع بمرونة تنظيمية وحيوية وحركية تسمح لها بمخاطبة أوسع قاعدة شعبية ممكنة وباللغة التي تفهمها وفي أمكنة تكون مقفلة عادةً أمام الأحزاب، غير الطائفية خاصّةً.
3 ــ الانحياز للفئات الاجتماعية المتضرّرة من السياسات الليبرالية المعتمدة
إنّ الاكتفاء برمي هذا الكليشيه أصبح من دون أي معنى. من الملح تحديد علاقة البورجوازية اللبنانية بالطبقات الكومبرادورية العربية، وتحديداً علاقة السياسات النيوليبرالية المنوي السير بها في لبنان بالمشروع السياسي المرسوم للمنطقة، وبالدور الاقتصادي العميل (اقتصادياً) المطلوب من لبنان تأديته، وخاصّة أنّ لبنان لم يكن يوماً بمنأى عن شروط مؤسّسات العولمة، من صندوق النقد الدولي الى منظمة التجارة العالمية مروراً بالبنك الدولي: خفض الرسوم الجمركية وإلغاؤها، الضرائب غير المباشرة (TVA مثلاً)، إلغاء الدعم الحكومي عن بعض المنتجات والسلع الأساسية (الشمندر، التبغ..).
لا يتحقّق هذا الشرح من خلال خطابات شعبوية تجييشية، بل بدراسات ماكرو وميكرو اقتصادية توضع بتصرّف الرأي العام، تظهر مدى فداحة مخاطر هذا المشروع على الطبقات الشعبية، وعلى ما تبقّى من قطاعات إنتاجية.
من جهة أخرى، لم تُؤدّ بعد جردة الحساب عمّا فعله اليسار في الميدان النقابي. على الرغم من كل ما نعرفه عن دور السلطة تاريخياً في ضرب الحالة النقابية التعاضدية في لبنان، لا تلغي هذه الحقيقة أبداً المسؤولية التاريخية لقوى اليسار عن الحالة المزرية التي وصلت إليها الحركة النقابية المطلبية في كل الميادين: روابط المهن الحرة، نقابات العمّال، اتحادات صغار الأجراء ومتوسّطيهم، موظّفو القطاع العام...
أمام المعنيّين باللقاء التشاوري، سؤال مصيري للإجابة عنه: إمّا أن يعتبروا أنّ الظروف الموضوعية والذاتية (كما يحبّون هم أن يحلّلوا الأمور) لم تعد تسمح بوجود يسار لبناني عربي ثوري علماني فاعل، وبالتالي لا حاجة إلى التعب والعمل على موضوعات وبرامج تغييرية، وإما اعتبار العكس، وهو الخيار الأصعب.
إنّ التفاؤل في نتيجة سلسلة أعمال اللقاء التشاوري المزمع عقده لمغامرة حقيقية وغير مكفولة النتائج، لكنّها مغامرة تستحقّ كل جهد ومتابعة.
خيراً فعل د. حدادة في تحديد مكان انعقاد أولى الجلسات في قصر الأونيسكو. هي قاعات مجّانية اعتادت على استضافة مناسبات ولقاءات أهل «اللون الأحمر» في لبنان.
بالمناسبة، إنّ هذا القصر الفقير مهدّد بجدّية بنير «الخصخصة». أضيفوا هذه الملاحظة إلى النقطة الثالثة من رزمة «البديهيات الثلاث»!!.
* باحث وكاتب لبناني