لبنان وطن للحياة اتركوه يعيش!
  • فيليب أبو زيد

    زحمة من التحركات والنشاطات تشهدها عاصمتنا الأبيّة بيروت فتجمع حولها اللبنانيين من كل المناطق والأديان والانتماءات و«الأذواق». بدءاً بالاعتصام المفتوح الذي تنظمه قوى المعارضة بهدف إسقاط الحكومة الحالية، مروراً بأكبر تظاهرة رياضية ــ حضارية تمثلت بماراتون بيروت الدولي الرابع، حيث وجد المواطن فسحة «أوكسيجين» فألقى جانباً هموم الحياة اليومية وركض «كرمال لبنان» ووحدة شعبه، وصولاً إلى «سفيرتنا إلى النجوم» السيدة العظيمة فيروز التي أحيت مسرحية «صحّ النوم» من جديد وكأنها تبعث رسالة إلى حكام هذا البلد الغارقين في سبات عميق علّهم يستفيقون من غيبوبتهم.
    بالأمس كان كل لبنان في قلب عاصمته، حكومةً وحكاماً وشعباً! فمشهد العاصمة من بعيد يوحي لناظره بأن مهرجاناً أو عرساً كبيراً يجري الاحتفال به وبأن كل شيء على خير ما يرام، فيسارع إلى الاطمئنان والقول: «الحمد لله، بيروت وشعبها بألف خير!»، ويقرر مشاركتهم هذه الفرحة ويتقدم أكثر فأكثر... ولكن كلما اقترب من ساحة الحدث، راوده شعور من القلق والخوف من أن يكون على خطأ. وسرعان ما يتأكد من صحّة شعوره. فكم كان ساذجاً ليظنّ أنه يمكن اللبنانييّن أن يتوحدوا. وكم كان مخطئاً حين اعتقد أنه يمكن المواطن المسكين أن ينعم بيوم واحد من الطمأنينة والأمان والفرح في هذا البلد!
    حتى الصلاة لم تستطع أن تجمع اللبنانيين! فكل فريق أقام صلاته الخاصة وقدّاسه الخاص مع جماعته. كلّ فريق حشد لجماعته وهتف بحياة وروح زعيمه. ومنهم من تفاصح فشتم وشهّر وخوّن ولعن الفريق الآخر! فضاع العيد وبهت الاحتفال وتكسّر حلم الوحدة على شاطىء الطائفية والجشع والطمع بالسلطة وبالمناصب. الكلّ نسي لبنان ــ القضية والوطن الذي لم تشفَ جراحه بعد من حرب الوحوش الاسرائيلية عليه وعلى شعبه الجائع الضائع الخائف والمنقسم!
    وعوض أن يرتقي السياسيون إلى مصاف الزعماء الوطنيين الجامعين، تحوّل بعضهم إلى أبواق شتّامة تنذر بحرب أهلية جديدة وبخراب لبنان. فحدّة الخطابات المذهبية والطائفية أغضبت المناصرين في الشارع وكانت النتيجة: شغب، خراب، تكسير، محال محروقة، فلتان أمني ومواجهات مسلّحة أوقعت عشرات الجرحى وأول شهيد للشارع! والآتي أعظم. وخوفنا من أن تكرّ سبحة الشهداء فيصبح لبنان واحة دماء عوض أن يكون وطناً للحياة!
    يا جماعة، لبنان يستحق الحياة. هو نعمة من رب العالمين وهبة فريدة في هذا الشرق. لبنان عصيّ على الزوال أو التقسيم أو الموت. لهذا نوجّه دعوة لمن تبقى عنده ذرة ضمير وشفقة على هذا الوطن: أنقذوا لبنان واتقوا الله وعودوا إلى الحوار، فشئتم أو أبيتم، لبنان باقٍ باقٍ باقٍ!


    اغتصاب العلم

  • عادل السلمان

    «إذا كنت من أنصار الحكومة اللبنانية الرجاء وضع العلم اللبناني على شرفتك». هذه الجملة التي حملتها الـSMS ووصلتني، وأدهشتني. «هل هذا يعني أنني إذا كنت من أنصار الفريق الثاني لم أعد لبنانياً؟ منذ متى أصبح العلم اللبناني رمز شارع دون الآخر؟». هذا ما قلته لنفسي، ثم نظرت من نافذة غرفتي فوجدت «جاري» في المبنى المجاور منهمكاً بالبحث عن شيء ما في غرفة نومه. وجد صندوق أعلام فرق كرة القدم التي كان يشجعها في كأس العالم. وبدأ يبحث بانهماكٍ واهتمامٍ شديدين عن شيء ما. وبين هذه الأعلام وجد علماً يوحي بأنه قديم وقد مرّ عليه زمن طويل في الصندوق وصمد عصوراً عديدة ماضية كما الأرزة التي تتوسطه. وقد تغيرت ألوانه الى ألوان لم أر مثلها في حياتي. حمل هذا العلم وارتسمت على وجهه ابتسامة ارتياح وفخر، ابتسامة غابت عن وجهه طويلاً. لكن هذا العلم وأرزته ظهر عليهما أنهما كانا على مشارف الموت، وأنهما قد فرحا لاستنشاق الهواء وجراء الإحساس بدفء الشمس. ثم قام «جاري» بغسل العلم وريّ أرزته، ما أعاد للعلم ألوانه الجميلة وأنعش الأرزة، ووضعه على شرفته المطلة على الغسيل الرطب. رفرف العلم مزهواً. لكن ليس لأنه رمز لبنان الشامخ، بل لأنه رمز شارع دون الآخر. اغتصبوا رمز بلادي، الآن بماذا نفتخر؟ وكل شيء اغتصبوه، قولوا لي بماذا نفتخر؟