عصام نعمة إسماعيل *
بعد استشهاد الرئيس رفيق الحريري، آثرت كل الأطراف اللبنانية أن تتنازل عن كثيرٍ من مكتسباتها لمصلحة تيار المستقبل وحلفائه، حرصاً منها على إرضاء هذا الفريق، وتماشياً مع مبدأ الوحدة الوطنية ووفاءً وعرفاناً للشهيد رفيق الحريري.
فكان لتيار المستقبل كل ما أراد. وفي الانتخابات النيابية جرت التحالفات لإرضائه، وآثر أكثر من طرف سياسي عدم المشاركة في العملية الانتخابية احتراماً منهم لمشاعر فئة مصابة بحادثٍ جلل. فكان لتيار المستقبل وحلفائه ــ بفضل المسايرين والمتنازلين ــ أغلبية نيابية لم ولن يكونوا ليحصلوا عليها في ظروفٍ انتخابية أخرى. وبعد انتهاء الانتخابات تألفت حكومة تيار المستقبل وحلفائه، وباعتراف رئيس الحكومة فإن كل ما قرره هذا الفريق الحاكم، كان يحظى بموافقة الجميع، ولم تعترض القوى السياسية على أي قانون أو مرسوم أو قرار وزاري أراد الفريق الحاكم اتخاذه.
شعر هذا الفريق بنشوة النصر، فلم يردَّ الجميل، ولم يعترف بأن هدية السلطة التي منحها له خصوم اليوم وكل الشعب اللبناني والتي ليست بالتأكيد حجم كتلتهم الانتخابية حقيقةً وواقعاً، فإذا بهم يتمسكون بهذه السلطة وينقلبون على الجميع ويرفعون راية إلغاء الآخر، وأصبح كل من لا ينصاع لهم عميلاً لسوريا وإيران.
وبدون أن نخوض بكل أوجه إلغاء ومحاصرة الأفرقاء السياسيين الآخرين ومكامن انزعاج هؤلاء الأفرقاء من تصرفات الفئة الحاكمة، فإني الجنوبي سأذكر سبب انزعاج أهل الجنوب من حكومة الرئيس فؤاد السنيورة. فقد وصل الغرور بالفريق الحاكم إلى حد أنه اتخذ قراراً بإلغاء المقاومة، ظناً منه أن المقاومة هي حزب سياسي يزول عندما نسحب منه الاعتراف. وكانت هذه هي الخطيئة الكبرى التي لا يمكن غفرانها.
كان البدء في قمة الخرطوم، ثمَّ تكررت حالات إنكار رئيس الحكومة للمقاومة، واعتقد بأن الفرصة سانحة لتنفيذ المخطط بعد آخر عدوان إسرائيلي على لبنان، حيث تعمَّد رئيس الحكومة في لقاءاته وخطاباته على حذف كلمة المقاومة.
ففي اجتماع وزراء الخارجية العرب، ثارت ثائرة رئيس الحكومة عند مجرد التفكير بذكر المقاومة، أصرَّ على تجاهل المقاومة في البيان الختامي، ثمَّ في خطابه أمام مجلس النواب بعد انتهاء الحرب شكر كل فئات الشعب اللبناني، وتعمد مخاطبة كل فئة بالاسم، واستثنى من خطابه المقاومة، متعمداً بفعله إهانة جمهور المقاومة.
ولا ننسى المواقف الإعلامية والسياسية المركزة والمحرِّضة على المقاومة الذي تفننت بإثارتها وسائل إعلام الفريق الحاكم.
كل ذلك يدل على أن رئيس الحكومة وفريقه الحاكم قرروا حذف المقاومة من سجل اللبنانيين، وظنوا وهناً بأن حذف كلمة مقاومة من خطاباتهم كافٍ لإزالة المقاومة من الوجدان الشعبي. هو مخطئ حتماً، فالمقاومة ثقافة وتاريخ شعب ليس سهلاً استئصالها من البيئة التي ترعرعت ونشأت فيها، ولو قرأ معطيات فترة العدوان ونظر كيف احتضن الشعب للمقاومة وحماها بأرواحه وبيوته وأمواله، لكان وفَّر على نفسه مذلة الإقالة.
لم يحترم إرادة جمهور المقاومة، كان كل همه إلغاء مقاومتهم، وحال هذا الجمهور هو حال من يقيم بالقرب من بحرٍ هائج أراد بناء حائط لدرء مخاطر هذا البحر، فأتى الرئيس السنيورة وهدم هذا الحائط لأنه مبني في أملاك الدولة، فلم يتركهم يحمون أنفسهم ولا وفَّر الحماية لهم. هذا بالمجاز، أما في الحقيقة فإن المقاومة هي السد المنيع الذي يمنع إسرائيل من أن تعتدي يومياً على أهل الجنوب. فإن أراد الرئيس السنيورة إلغاء المقاومة، فعليه قبل ذلك أن يردَّ الطوفان الإسرائيلي عن أهل الجنوب والبقاع الغربي.
وأما وقد بدأ بالمقاومة قبل أن يعالج خطر إسرائيل، فقد خان أهل الجنوب، وأراد تسليمهم لمن لا يرحم، وردة الفعل الصحيحة هي المطالبة بإقالة الرئيس فؤاد السنيورة الذي مسَّ بأفعاله صلب ميثاق العيش المشترك.
* باحث لبناني