حسين عطوي *
أثار تقرير لجنة بيكر ــ هاملتون موجة من التساؤلات عن طبيعة السياسة التي سوف تعتمدها إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش إزاء إيران التي هي من جهة تشكل أكبر خصم للمشروع الأميركي في المنطقة الأكثر حساسية وحيوية في العالم، وهي إقليم النفط، وباتت قاب قوسين من امتلاك التكنولوجيا النووية للأغراض السلمية بإمكانياتها الذاتية. ومن جهة ثانية، الإدارة بحاجة إليها من أجل التفاهم معها للخروج من الوضع المتأزم في العراق، والذي لخّصه التقرير بأنه متدهور ويسير من سيء الى أسوأ، لذلك يرى أن على واشنطن أن تبدأ محادثات مباشرة مع ايران، وكذلك مع سوريا، لأن لديهما تأثيراً كبيراً في المنطقة والعراق، ولا حل لمشاكل العراق من دون التفاهم معهما. غير ان الرئيس بوش الذي يشعر هذه الأيام بثقل الأعباء عليه، نتيجة فشل سياساته وهزيمة حزبه الجمهوري في الانتخابات وتهاوي كبار رموز إدارته الواحد تلو الآخر، لا يبدو مع ذلك يتجه الى التزام تنفيذ توصيات تقرير اللجنة الذي وعد بالتعامل معه بجدية من دون التزام تنفيذه، ما يعني انه ينوي اعتماد طريقة ورؤية مختلفتين في مقاربة الأمور، لا يظهر فيهما ان مشروع إدارته قد انهار دفعة واحدة، أو أنه استسلم أمام ايران وسوريا اللتين صنّفهما في إطار دول محور الشر، واليوم يجد نفسه مجبراً على إعادة النظر في موقفه هذا، ومد الجسور معهما باعتبار ذلك ممراً لا بد منه اذا كان يريد ان يخرج من العراق بأقل الخسائر الممكنة، والحيلولة دون تكرار مشاهد الهروب المذل للجيش الاميركي من سايغون، في نهاية الحرب الفيتنامية، وما يستتبعه ذلك من تداعيات خطيرة على المصالح والوجود الاميركي في كل المنطقة.
ولا يخفى أن الملف النووي الإيراني يشكل معضلة فعلية لبوش، وأن الخيارات المتاحة أمامه للتعامل معها محددة جداً.
واذا كان الرئيس الاميركي لا يرى الحل لهذه المعضلة في اعتماد نصيحة تقرير بيكر ــ هاملتون، لناحية وضع الملف النووي الايراني بيد الأمم المتحدة وجعل النقاشات بين الولايات المتحدة الاميركية وايران محصورة بالعراق، فماذا في جعبته؟ هل ينوي اللجوء الى اختبار أساليب وتكتيكات جديدة مع ايران؟ وما هي؟ وبالتالي هل ستكون فاعلة وتجنّب واشنطن الظهور بمظهر المتراجع أمام طهران؟
الخبراء والباحثون يعتقدون بأن المشكلة في منطق بوش لا تكمن هنا، بل في الاستراتيجيا التي اعتمدها بعد أحداث 11 أيلول، فهل يفكر فعلاً بترك العراق أم لا؟ إن بوش لا يزال، بعد، غير قادر على التفكير في هذا الخيار، على رغم قلق حزبه الجمهوري مما سيحصل في الانتخابات الرئاسية عام 2008، وخصوصاً ان جورج بوش لن يترشح مرة أخرى، وبالتالي هو يقارب الموضوع بعيداً من ضغط الانتخابات ويحاول اعتماد تكتيكات لا تغيّر في جوهر استراتيجيته، علّه وعساه يتمكن من تجنّب الأخطاء التي وقع فيها وزير دفاعه دونالد رامسفيلد. من هنا، يعمل جورج بوش على اعتماد تكتيكات جديدة قوامها:
1 ــ تعزيز القوات الاميركية في العراق كي تصمد أطول فترة ممكنة، والى جانب ذلك إعطاء المزيد من المهمات الأمنية المباشرة للجيش العراقي الذي أشرفت على تدريبه، ما يتيح انكفاء الجيش الأميركي الى مواقع ومناطق أكثر أمناً في العراق.
2 ــ التهديد بدفع الوضع في العراق وفلسطين ولبنان الى الوقوع في شرك الحرب الأهلية والفتنة المذهبية، باعتبار ذلك بالنسبة إلى كل من ايران وسوريا خطراً على وحدة العراق وعليهما، وعلى عموم المنطقة، وهذا ما حذر منه تقرير لجنة بيكر هاملتون الذي أوصى بعدم تقسيم العراق.
3 ــ استخدام سياسة الاحتواء عبر العقوبات والسعي الى الضغط على الدول النفطية الصديقة لها، لزيادة منتوجها النفطي من أجل تخفيض مدخول إيران من عائدات النفط التي ازدادت بشكل كبير نتيجة ارتفاع الأسعار.
4 ــ إذا فشلت هذه السياسة في تليين موقف ايران ولم تعط مردودها المتوقع فان إدارة بوش تفكر عندها بتوجيه ضربة عسكرية لإيران مدى أسبوعين، تستهدف تدمير قدراتها الصناعية لإرجاعها الى الوراء وجعلها غير قادرة على الاستمرار في برنامجها النووي.
لكن هل فعلاً مثل هذه السياسة أو الخيارات التي ستسلكها إدارة بوش سوف تنقذ واشنطن من استحقاق تغيير استراتيجيتها في المنطقة، لمصلحة الإقلاع عن سياسة القوة والحرب والاستعمار والإخضاع، واعتماد لغة الحوار واحترام استقلال وسيادة دول المنطقة؟
بالتوقف أمام الخيارات والتكتيكات الجديدة التي بُدئ في اعتماد بعضها في إطار ما يسمى استراتيجيا أميركية جديدة قيد التكوين نتبين الأمور التالية:
الأمر الأول: إن مسألة زيادة أعداد القوات الاميركية وتعزيز قدرات الجيش العراقي وتسليمه المزيد من المهمات الأمنية لا يبدو كما تظهر تطورات الميدان ستكون قادرة على تغيير الواقع الأمني وتحسين شروط بقاء القوات الاميركية في مواقع استراتيجية وأكثر أمناً.
الأمر الثاني: أما المراهنة على دفع المنطقة الى حروب أهلية تنهك المقاومة والدول الممانعة للمشروع الاميركي فإنها تواجه الفشل في لبنان بسبب وعي المعارضة الوطنية لهذا المخطط، وكذلك لم تنجح في فلسطين، فيما هي على رغم الفوضى الحاصلة في العراق لم تحل دون استمرار المقاومة بتوجيه الضربات الموجعة لقوات الاحتلال وزيادة وتيرتها.
الأمر الثالث: إن اعتماد سياسة الاحتواء لن ينفع مع ايران لأسباب عديدة أولها لأن دول النفط ليس من مصلحتها مجاراة واشنطن في خفض أسعار النفط، وثانيها ان دول عديدة في العالم غير مستعدة للسير في فرض عقوبات اقتصادية على ايران إما من موقع الرفض لهذه السياسة وإما لمصلحتها الاقتصادية التي تربطها معها وخاصة روسيا والصين.
الأمر الرابع: أما خيار الضربة العسكرية لأهداف اقتصادية فهو احتمال قائم اذا كان جورج بوش أراد كما يقول المثل ركوب رأسه والاستجابة للضغط الاسرائيلي المتواصل، إلا أن هذا الخيار لن تكون كل من أميركا واسرائيل بمنأى عنه لقدرة إيران على احتواء الضربة الأولى والرد بقوة على القواعد الاميركية في منطقة الخليج وكذلك ضرب مواقع حيوية اسرائيلية في فلسطين المحتلة.
من هنا يبدو ان خيارات بوش ليست مفروشة بالورود وهي صعبة وتواجه احتمالات الفشل بنسب كبيرة ولهذا يحذر منها الخبراء في واشنطن ونصح في تجنّبها تقرير بيكر هاملتون.
*كاتب لبناني