وليد شرارة
ما أشبه اليوم بالبارحة. الأنظمة نفسها التي «هبّت» لنصرة الشعب الأفغاني في مواجهة الغزو السوفياتي تدق النفير اليوم في أنحاء العالم الاسلامي داعية للاستعداد لمهمة التصدي للتدخل الايراني في العراق.
من نسي الحقائق المتعلقة بالجهاد الأفغاني لا بد من ان يتذكر الدور المحوري الذي لعبته المملكة العربية السعودية ومصر السادات في توفير كل أشكال الدعم والشروط الملائمة لانطلاقة هذا الجهاد واستمراريته. المملكة تكفلت الدعم المادي والإعلامي، ونظام السادات توفير أولى صفقات السلاح وإرسال أولى دفعات المتطوعين المصريين للقتال الى جانب إخوانهم الأفغان، بمن فيهم متطوعون كانوا معتقلين بسبب ارتباطهم بقضية تنظيم الجهاد وأُطلق سراحهم بعد صفقة مع السلطات المصرية تشترط ذهابهم الى أفغانستان. في تلك الفترة نفسها، اجتاحت اسرائيل لبنان وتمكّنت، بعد ثلاثة أشهر من الصمود البطولي في بيروت، من طرد المقاومة الفلسطينية من هذا البلد من دون ان تحرك الأنظمة المذكورة ساكناً، بل هي استغلت الاجتياح ونتائجه لتعلن في قمة فاس العربية في أيلول 1982 تخلّيها عن الخيار العسكري لحل الصراع العربي الاسرائيلي، وتبنّيها مشروع الملك فهد للسلام. لا يقصد من هذا الكلام تبرير الغزو السوفياتي لأفغانستان أو التشكيك في مشروعية الجهاد الدفاعي الذي خاضه الشعب الأفغاني. الغاية هي الإشارة الى استغلال هذه الأنظمة القضية الأفغانية لحرف أنظار الشعوب العربية عن قضية فلسطين وعن تواطئها على تدمير مقاومة شعبها، ولخدمة المخططات الاميركية التي كانت تقتضي إغراق السوفيات في الوحل الافغاني. كانت هذه وظيفة الحرب الافغانية بالنسبة إلى الأنظمة العربية. يبدو اليوم أنها تسعى لاستغلال الحرب الأهلية المذهبية التي تستعر في العراق لتحقيق غايات مشابهة، الحرب الأهلية لا المقاومة الشريفة التي تستهدف قوات الاحتلال الاميركي والبريطاني والتي نجحت في إفشال المشروع الاميركي المعد لهذا البلد، بل هي تعمل اليوم لحرف المقاومة عن مسارها وزجّها في الحرب الأهلية. من يقرأ اليوم التصريحات الرسمية السعودية والمصرية ووسائل إعلام البلدين يدهش لحدة الخطاب التحريضي المذهبي وفجاجته ولتركيزه الحصري على ما يسميه «الخطر الايراني» على وحدة العراق وعروبته وعلى أهل السنة. أما الاحتلال الاميركي المسؤول عن تدمير الدولة العراقية الذي أشرف مباشرة على تقسيم الشعب العراقي على أسس مذهبية وإثنية تحت شعار الفدرالية، وعلى خلق الظروف المؤاتية للصراع المذهبي، وعلى بناء فرق الموت المجرمة والعميلة وإطلاق يدها، فهو لا يأتي على ذكره نهائياً. ألم تفتح هذه الأنظمة أراضيها ومطاراتها للقوات والطائرات الاميركية عند بدء العدوان على العراق على الرغم من عدم تأييدها العلني له؟ هي تسعى الآن لمساعدة الادارة الاميركية على مواجهة مأزقها في العراق من جهة، وصعود الدور الاقليمي لإيران من جهة أخرى. وتحاول من خلال التركيز على «الخطر» الذي تمثله ايران حرف الأنظار عن انتقالها من التواطؤ الصامت مع المخططات الاميركية والاسرائيلية الى التقاطع العلني معها كما اتضح خلال عدوان تموز على لبنان. أقصى ما تطمح إليه هذه الأنظمة هو إقناع واشنطن بأنها ما زالت حاجة اميركية وبأنها قادرة على العمل وفقاً لأولويات أجندتها.
قبل حوالى ستة أشهر، كشفت معلومات صادرة عن مركز أبحاث أوروبي ان فريق من الخبراء الاميركيين الموجودين في الأردن يعمل على «دراسة» سيناريو مستقبلي محتمل للعراق وهو ان تتطور الحرب المذهبية الدائرة في هذا البلد الى مواجهة إقليمية بين ايران من جهة ومصر والسعودية من جهة أخرى. تصريح الديبلوماسي السعودي نواف العبيد والكلام المنسوب إلى الملك السعودي خلال مقابلته ديك تشيني يذهبان في هذا الاتجاه. هناك «حرب أفغانستان» جديدة في الأفق.