وليد شرارة
دخلت الحملة السياسية ــ الإعلامية الغربية على إيران مرحلة جديدة من التصعيد بعد إعلان هذه الأخيرة نيتها تسريع عمليات تخصيب اليورانيوم رداً على قرار مجلس الأمن الدولي فرض عقوبات عليها، وعلى الرغم من الاختلاف النسبي والشكلي في حدة المواقف الرسمية الأوروبية والاميركية، تتسع التعبئة الهستيرية ضد ما يسمى الخطر الايراني يوماً بعد يوم على مستوى الرأي العام في أوروبا. وقد عكست صحيفة «لوفيغارو» في افتتاحيتها الأخيرة المخصصة للملف النووي الإيراني أجواء هذه التعبئة عندما اعتبرت «ان رغبة الحوار التي عبّر عنها الغرب تتعلق حصراً بالدور الإقليمي لطهران في العراق ولبنان أو في فلسطين الذي ينبغي تحجيمه بسرعة. أما بالنسبة إلى السلاح النووي، فلا أحد يوافق على حصول الجمهورية الاسلامية عليه».
سيشكل هذا الأمر خللاً في موازين القوى الاستراتيجية يترتب عليه نتائج خطيرة في آسيا وحتى في أوروبا. وبعكس ما يتصوره البعض، فإن الإخفاقات الاميركية المتتالية في المنطقة وما قد ينجم منها على المدى المتوسط من تراجع في نفوذ الولايات المتحدة تزيدان من معارضة الدول الأوروبية لصعود الدور الاقليمي لإيران. فهذه الأخيرة ستكون، حسب التحليلات الرائجة في العواصم الغربية، المرشح الأول مع حلفائها لملء الفراغ الناتج من الانسحاب الأميركي من عدد من الساحات.
مقولة «الهلال الشيعي» تثير قدراً من المخاوف في أوروبا ليست أقل من تلك التي تثيرها في عواصم كالرياض والقاهرة وعمان، وباتت التصنيفات لمختلف اللاعبين تتم على أساس انتمائهم المذهبي وتتغافل عن جملة الاعتبارات الأخرى التي قد تفسر مواقفهم وسياساتهم. العداء لأي شكل من أشكال التنسيق الاقليمي غير الخاضع للسياسات الغربية بقي في الحقيقة أحد ثوابت هذه السياسات.
التعبئة الحالية تهدف إلى تهيئة الرأي العام الغربي للموافقة على أسوأ الخيارات، أي الحرب، إذا اضطرت واشنطن وحلفاؤها الى اللجوء إليها.
اذا كانت خلفية الموقف الاميركي الرافض دخول ايران النادي النووي معروفة، فما هي خلفية الموقف الأوروبي؟ لا شك في ان منطلق «الشراكة» و«التحالف» مع الولايات المتحدة يلزم الدول الاوروبية الوقوف الى جانبها في مواجهة حاسمة كالمواجهة الحالية، لكن هناك أيضاً أسباباً «أوروبية» ذات صلة بالثقافة السياسية السائدة بين نخب القارة القديمة تفسر هذا الانسياق خلف واشنطن.
ما زال الموروث الاستعماري يحكم الى درجة كبيرة المواقف الأوروبية من العرب والمسلمين ومن قضاياهم الأساسية، فمن الملف النووي الايراني مروراً بالتطورات في العراق وفلسطين وأفغانستان ووصولاً الى الموقف من الحركات الاسلامية وإمكانية وصولها الى السلطة، ما زال هذا الموروث الاستعماري ونسبة عالية من اللاعقلانية يساهمان الى جانب الحسابات الاستراتيجية والاقتصادية في صياغة المواقف المذكورة. اللافت أيضاً في المشهد السياسي الغربي الحالي هو غياب الأصوات التي تعارض عادة سياسات الحرب والعدوان وصمتها المريب حيال التصعيد ضد إيران. هذا المشهد يثبت ان إدارة بوش، على الرغم من هزائمها وإخفاقاتها، نجحت في تعميم مناخ صراع حضارات على المستويين الإيديولوجي والثقافي. وفي هذه الحالة يجب ألا ننسى أن إيران مهيّأة للخوض في مثل هذا الصراع، ذلك أن الإيرانيين معبّأون إيديولوجياً وثقافياً ولديهم المقدرة على المواجهة في هذا المجال، فضلاً عن المجالات الأخرى، وخاصة إذا كان الصراع على صلة بهويتهم وسـيادتهم وربما وجودهم.