كريم عبد الرحمن *
قد يكون الجدل في الحياة السياسية في ايران هو أكثر أنواع الجدل السياسي حيوية في الشرق الأوسط. ولعل ما يفضي الى مثل هذا الاستنتاج بالدرجة الأولى، هو مستوى الاهتمام الإقليمي والدولي بكل دورة انتخابية ايرانية، سواء كانت رئاسية، او متعلقة بمجلسي الشورى والخبراء او حتى بالانتخابات البلدية. اما مردّ هذا الاهتمام، وخصوصاً من جانب حكومات، ومراكز صناعة القرار في الولايات المتحدة الاميركية وأوروبا، فيعود الى الرغبة في معرفة مدى تأثير نتائج الاقتراع على وحدة القرار السياسي الداخلي من جهة، وعلى الاتجاهات المحتملة للسياسات الخارجية الايرانية من جهة ثانية. ذلك ما وجدناه عند تتبع وملاحظة وقائع ونتائج انتخابات مجلس الخبراء والانتخابات البلدية الاخيرة. ولعل اللافت والمثير للمفارقات هنا، هو أن أكثر ما ذهبت إليه التعليقات الغربية، ولا سيما القريبة من مراكز القرار، أنها راحت توظف معركة الديموقراطية في اطار حربها المفتوحة على الجمهورة الاسلامية الايرانية. لم يشأ إلا القليل ــ وهو غير وازن في المجتمع السياسي الغربي ــ أن يرى الى منطق اللعبة الانتخابية بوصفها لعبة تترجم سياقاً طويلاً من تداول السلطة.
وهو سياق يحفر مجراه بعمق في الحياة الايرانية، ويعود الى اللحظة التي صيغ بها الدستور تحت رعاية وإشراف قائد الثورة والدولة الإمام آية الله الخميني قبل ما يقرب من ثلث قرن.
لقد كشفت ذهنية الحكومات الغربية عن أقصى درجات التوظيف الايديولوجي حين يتعلق الأمر بإجراءات الديموقراطية الايرانية. فالولايات المتحدة وأوروبا اللتان تخوضان حرباً سياسية عالية الوتيرة على ايران، ولا سيما في ما يتعلق بملفها النووي، لا يعنيهما ــ على ما يبدو ــ إن كان المجتمع السياسي في ايران، يقدم مثاله عن الديموقراطية وتداول السلطة أو لا. في 15 كانون الأول، اقترع أكثر من 60 في المئة من الايرانيين في الانتخابات البلدية، ونجح عدد من مرشحي التحالفات المحافظة الاصلاحية على السواء، وإن بنسب متباينة. وقد أكدت نسبة المشاركة العالية في هذه الانتخابات مرونة المؤسسات الديموقراطية في الجمهورية الاسلامية رغم العوائق الاجتماعية، والسياسية، المتعددة. وهنا لنا أن نتساءل بشيء من اليقين:
لو جرت هذه الانتخابات في بلد حليف للولايات المتحدة، لكانت احتفت بها واشنطن باعتبار أنها احد أهم إنجازات سياساتها الخارجية. غير ان إدارة بوش والجسم الاعلامي الاميركي يتجاهلان الانتخابات التي تجرى في دولة ينظران اليها بوصفها عدواً، ويزعمان انها دولة «استبدادية».
الرئيس بوش فاز بولايته الرئاسية الأولى من خلال الأصوات الفاسدة في فلوريدا، ولاحقاً عبر استغلال النظام القضائي الاميركي. ويعدّ هذا الأمر سابقة بالنسبة لإدارة ترى نفسها فوق القانون، وتعتقد أنها تستطيع استخدام قوتها للتمييز بين المجتمعات حول العالم، إن احد اكثر الامور مدعاة للسخرية والهلع في آن، هو أن يقوم رئيس أحرز منصبه من خلال الفساد، بدعوة محيطه من صقور المحافظين الجدد الى نشر الديموقراطية في العالم.
ان القضية التي يظهرها خطاب التوظيف الغربي والاميركي على وجه الخصوص، هي تحويل الديموقراطية الى مجرد ذريعة لتسويغ الفوضى وشن الحرب المفتوحة على جغرافيات الممانعة في العالم وفي منطقتنا على وجه الخصوص.
غير أن ما لا يمكن العقل السياسي الأميركي والأوروبي ان يتجاهله، حتى وهو يجرّد حملاته على طهران، هو أن هذه الأخيرة تصر على صناعة ديموقراطيتها وحياتها السياسية السلمية في أقسى اللحظات الحرجة.
حتى النخب الغربية المشاركة في الحملات الاعلامية باتت تعرف دلالة وأهمية ان يُقبِل الايرانيون على صناديق الاقتراع فيما بلادهم على قاب قوسين أو أدنى من الحصار واحتمالات العدوان.
* كاتب سياسي