دايفيد روز
بعد سقوط صدام حسين، رأى ريتشارد بيرل، الذي أمضى معظم التسعينيات في الدفع في اتجاه اجتياح العراق، أن الإصلاحيين الإيرانيين سيجدون الفرصة مؤاتية لتغيير النظام هناك، فيما ستأخذ سوريا تهديدات الولايات المتحدة على محمل الجد وتمتنع طوعاً عن دعم الإرهابيين.
أجريت مقابلة مع بيرل أخيراً، لأتبين مدى المتغيرات التي طرأت على تفكيره، فكانت المفاجأة. اعتبر بيرل أن «حجم المفاجأة كان مرعباً حقاً، وأن الهزيمة النهائية، المتمثلة في انسحابنا من العراق تاركين وراءنا دولة فاشلة، لم يعد ممكناً تجاوزها، لا بل أصبحت الأكثر احتمالاً. وحين الانسحاب ستنطلق فوضى دولية وعالمية منفلتة».
وكما حدثني بيرل، الذي غادر منصبه في البنتاغون عام 2004، فإن منشأ هذه الكارثة الكبرى يكمن في الفشل والخلل الكبير الذي أصاب إدارة بوش الابن. «أظن أنه لا يدرك عمق النقاشات والخلافات في البنية التحتية للإدارة. ولا أظن أنه أدرك مدى المعارضة التي نشأت ضده داخل التركيبة الداخلية للإدارة، وافتقاره إلى الولاء».
وقد ذهب ريتشارد بيرل إلى أبعد من ذلك ليقول «لو كنت متشككاً في نتائج حرب العراق في السابق، أو كنت أرى ما نحن عليه الآن، وسئلت إن كان ينبغي علينا اجتياح العراق؟، فإن جوابي كان الرفض على الأرجح، ولدعوت إلى التفتيش عن استراتيجيا أخرى لمقاربة هواجسنا».
خلال سماعي حديث بيرل، تساءلت متعجباً: ما هو يا ترى الموقف الحالي لبقية فريق المحافظين الجدد الذي حرّض على الحرب؟ إذا كانت الشخصية الأكثر كاريكاتورية «أمير الظلام» غارقة الآن في الشكوك، فما هو يا ترى شعور رفقائه في المعركة؟..
ذهبت لمقابلة دايفيد فروم، كاتب خطابات الرئيس سابقاً. كان فروم قد شارك في كتابة خطاب بوش عام 2002 الذي أطلق فيه مقولة «محور الشر». كانت رؤيته متقاربة مع بيرل، حيث اعتبر أنه إذا كان لا مناص من الهزيمة المتمثلة في «كون العصابات في العراق تستطيع قتل كل من يتعاون معنا، وفشل الولايات المتحدة في إثبات قدرتها على حماية هؤلاء المتعاونين»، فإن اللوم في هذه الحالة يقع على «الفشل في مركز الإدارة».
في مقابلة أخرى مع أحد كبار المحافظين الجدد القدامى، كينيث أدلمان، رجل البنتاغون السابق، كان الانطباع هو نفسه، وقد تحدث بصراحة قائلاً: «أنا محبط لأقصى درجة بسبب نتائج غزو العراق، ولأن من كنت أعتبرهم الفريق الأكثر كفاءة في مجال الأمن القومي منذ عهد ترومان، غدوا الفريق الأكثر فشلاً في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية. ليس فقط على صعيد كل فرد منهم، بل إنهم مجتمعين قد غدوا غير فاعلين، بشكل مميت!».
اعتبر أدلمان أن المحافظية الجديدة نفسها، التي يعرّفها بأنها «رؤية لسياسة خارجية قوية بخلفية أخلاقية، تعتمد على الاستفادة من قوتنا لنشر قيمنا في العالم، قد ماتت، ولن تعود إلى الحياة قبل جيل من الزمن. قد تكون هذه الرؤية صحيحة، نبيلة، ومفيدة، لكن إذا حاولت تطبيقها على أرض الواقع فستكتشف عدم جدواها».
البروفسور إليوت كوهين في جامعة جون هوبكينز، كلية الدراسات الدولية المتقدمة، عضو سابق آخر في البنتاغون، وأحد الذين دعوا لفترة طويلة، وبقوة، إلى إسقاط صدام، كان أكثر تشاؤمية من سابقيه: «الذي أدركه الآن، أنني كنت جاهلاً في السابق إلى أي مدى من الفشل سنصل. إنني متجهّم فعلاً. أظن أننا مقبلون على مرحلة سوداء جداً، لأن التداعيات البعيدة المدى لهذا الواقع القائم ستكون كبيرة جداً، ليس فقط بالنسبة إلى العراق، أو المنطقة، بل العالم ككل.. على صعيد سمعتنا، على صعيد حرارة النشاط الإيراني، وكل أنواع الهراء..».
ظل بعض المحافظين الجدد، مثل جيمس وولسي، يحملون الأمل في النجاح في العراق، لكن أغلب من تحدثت إليهم من هذا الفريق، لا يرون سوى الهزيمة المقبلة. فحتى لو تم تفادي الخيارات الأكثر سوءاً، فإن النتائج ستكون بعيدة كل البعد عن السيناريوهات التي كانوا في أحد صباحات عام 2003 فرحين وواثقين ببدء تطبيقها.. «أظن أننا مقبلون على مروحة من البدائل السيئة» على حد قول إليوت كوهين الذي أردف قائلاً «المشكلة أننا نحاول الآن مقاربة عنف طائفي، والكثير من الفعالية الإيرانية، وكل هذا المسار الذي لم يعد ممكناً أن يعود إلى الوراء إلا من خلال استعمال شامل للقوة، بنسبة لا أرى أننا نملك طاقة تحمّل نتائجها. على كل حال، فإن الخيارات التي كانت قائمة عامي 2003 و2004 أصبحت مستحيلة في يومنا هذا».
يتوافق المحافظون الجدد حول الخيار الوحيد الممكن: تهدئة العنف في العراق، بغض النظر عن الصعوبات التي تكتنف الوصول إلى ذلك. إن نتائج الانسحاب الانحداري، بحسب قولهم، ستكون سيئة جداً. وعندما تستمع إليهم يتوغّلون في هذه التحليلات، لا يمكنك إلا أن تخلص إلى نتيجة مربكة، إذ إن أحد أسباب وقوع الولايات المتحدة في هذه الفوضى، هو أن الوعود التي أطلقها المحافظون الجدد قد تبدّى الآن خطؤها. لكن الاحتمال الأكثر رهبة، هو أنهم، الآن، قد يكونون محقين!
عن مجلة فانيتي فير
(ترجمة ايمان سويد)