ميخائيل روحانا الأنطوني *
إن الحل، أي حل في لبنان وللبنان، غير ممكن إذا لم يغير القوم ما بأنفسهم. والتغيير في النفوس ليس مطلوباً فقط لإلغاء «الطائفية» او حل مشكلة المحكمة ذات الطابع الدولي، انما هناك امور كثيرة، كالتي نعانيها اليوم على الساحة اللبنانية، على أولي الأمر والشأن أن يلغوها للتوصل اولاً الى مقومات بلد سليم وأخطرها عقلية الاستفراد و«الطائفوية» والاقطاعية والاستقواء بالخارج، وكلها تتوالد من رحم الانانية المتسلطة الحامية لمصالحها الخاصة والمستعجلة دوماً للوصول الى اهدافها قبل فوات الأوان.
ان الاستفراد بالقرار على صعيد رئيس الحزب الواحد او الطائفة الواحدة او المنطقة الجغرافية الواحدة او حتى الوطن على وسعه، هو ألدّ اعداء رسالة لبنان المعروفة بالعيش المشترك والتوافق، تماماً كما يحصل في منزل عائلي الزيجةُ فيه مارونية والكل يعرف المثل القائل: «زيجة مارونية عقدة شيطانية».
ان عقدة الاستفراد التي تسببت بما تسببت به، إبّان حرب الآخرين على ارض لبنان وفيما بعد حرب اللبنانيين فيما بينهم على السلطة، تتأتى من الثقافة الاجتماعية الموروثة عن روحية الممالك والإمارات، أعربية كانت أم صليبية، يزاد عليها السلوك السلطوي العثماني الذي ربط كل تفاصيل الحياة اليومية بالقرارات الهمايونية للباب العالي. وهذا ما يفسّر لماذا كل فرد اجتماعي في لبنان يحلم بأن يكون هو على مثال الباب العالي ولو أقله على حاشيته. من هنا أتت المفاهيم العائلية والاجتماعية القائلة: «انت ما تفكر نحنا منفكر عنك الخ...» وقد انتقد الأخوان رحباني هذه الظاهرة في احدى مسرحياتهم لخطورة واقعها الاجتماعي. وها احدهم اليوم قد اطلق انتقادها مجدداً من خلال حملة اعلامية على الشاشات لتوعية الشعب على حقوقه الاساسية. يا سيادة الامين العام، إن قداسة البابا يوحنا بولس الثاني ــ خلال سنتي 76 و77 مر بالمعضلة نفسها التي مررتم بها انتم ايضاً في هذه الايام الاخيرة. اما الأزمة يومها فقد كانت في التوفيق بين الزعماء (وهذا اللقب ايضاً هو من التراث المشؤوم) الموارنة إبان حرب السنتين. لقد أنهى البابا القديس كل جدل في هذا الخصوص معهم بأن قال لهم: «اسمحوا لي. إنني سأعمل لخيركم غصباً عنكم» وهذا بشهادة صاحب السيادة المطران منجد الهاشم وهو حي يرزق. فهل هناك من طريقة يا سيادة الامين العام تحقق فيها خير اللبنانيين على تنوّع مشاربهم، غصباً عنهم، علّك تنقذ البنين من الضرَس الذي بسببه لهم الحصرم الذي يأكله آباؤهم؟ أم أن جوابك هو جواب القديس اغوسطينوس نفسه تحمله إلينا اسطر اعترافاته صارخة: «من خلقق بدونك لا يخلّصك بدونك».
نعم سمعناك بوضوح تقول للبنانيين، قادة وشعباً، في الحكم كما في المعارضة، المنتصرين لتوّهم على أعتى الجيوش وعلى أشرس المؤامرات، شاء البعض هذا ام كره، سمعناك تقول لهم إن الحل الأسلم هو في أن يعوا أن كل الانتصارات لا قيمة لها إن لم ينتصروا على كل انواع الإقطاعية والاستفراد، وبخاصة العنصرية العقائدية التي انتصروا عليها عند العدو، وبأن يؤمنوا بأنه «من خلقهم وجمعهم بدون ارادتهم لا يخلصهم بدون ارادتهم» وعبثاً يختبئون خلف العابرين والأمور العابرة.
* رجل دين لبناني