ماجد عزام *
يمكن القول إن اربعة سياقات تقف وراء اللقاء الذي عقد بين أولمرت وعباس والذي يمثل مجرد انعقاده الحد الأدنى المطلوب حالياً، وهذه السياقات هي: السياق الفلسطيني الداخلي والسياق الإسرائيلي الداخلي والسياق الفلسطيني الإسرائيلي المشترك والسياق الأمريكي المتشابك والمتخبط ما بين الداخلي والإقليمي والدولي.
السياق الأخير هو الأهم بالتأكيد، وهو الذي ينتصب في خلفية لقاء أولمرت ــ عباس الأخير الذي كانت وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس الغائب الحاضر وظلها الثقيل كان مهيمناً بقوة على أجواء اللقاء. الإدارة الأمريكية لا هم لها في الفترة الأخيرة سوى التملص والالتفاف على تقرير بيكر ــ هاملتون الذي دعا إلى مقاربة أمريكية جديدة ومختلفة للعراق والمنطقة والتعاطي مع الصراع الفلسطيني الاسرائيلي بوصفه جوهر النزاعات والصراعات والعمل الجدي على حله باعتبار ذلك مدخلاً وضرورياً ومهماً على طريق حل الصراعات الأخرى في المنطقة. الإدارة الأمريكية لا يروقها التقرير واستنتاجاته وانهمك رموزها وتحديداً وزيرة الخارجية كونداليزا رايس بالبحث عما سمته أفكاراً خلاقة جديدة بهدف بلورة سياسية أخرى بديلة من وثيقة بيكر ــ هاملتون التي لم ولن يستسيغها الرئيس بوش. والنقاش الذي رعته وأشرفت عليه رايس بشكل شخصي تمخض عن خطة سياسية جديدة على ثلاث مراحل تتضمن تقوية عباس عبر تقديم الدعم الشخصي والسياسي والمادي له ثم تقوية حركة فتح لتشجيعها على الصدام والصراع المسلح مع حركة حماس، وصولاً إلى تشكيل حكومة فلسطينية تعترف بإسرائيل وشروط الرباعية، وصولاً للمرحلة الثالثة التي تشتمل على مفاوضات مباشرة بين الرئيس عباس والحكومة الاسرائيلية بغرض الوصول إلى دولة فلسطينية بحدود مؤقتة في غضون عام من الآن، أي قبل انتهاء ولاية الرئيس بوش في نهاية عام 2008.
وليس بعيداً عن تقرير بيكر ــ هاملتون، فإن لقاء عباس وأولمرت يأتي في صلب السياسة الأمريكية الإقليمية الهادفة إلى خلق محور بين المعتدلين الذي يضم إسرائيل والسلطة الفلسطينية وبعض الحكومات والدول العربية في مواجهة محور المتطرفين الذي يضم حماس ومعها فصائل المقاومة الفلسطينية وحزب الله ــ سوريا وإيران.
لقاء أولمرت ــ عباس يندرج أيضاً، ولو بشكل غير مباشر، ضمن السياسة أو التعبئة التي تقوم بها واشنطن بالتنسيق التام مع تل أبيب تجاه الملف النووي الإيراني، وواشنطن بحاجة إلى التهدئة في فلسطين مع نوع من التواصل بين رئاسة السلطة والحكومة الإسرائيلية لتعامل مهم لانخراط دول عربية وإسلامية ضمن السياق أو التعبئة الأمريكية الممارسة ضد إيران والدول والحركات المتحالفة معها. في السياق الأمريكي يفترض أن تصل وزيرة الخارجية الأمريكية إلى المنطقة بعد إجازة الأعياد، أي أوائل العام المقبل، وزيارتها تلك تهدف إلى تدشين العمل للسياسة الأمريكية الالتفافية والمتحايلة على تقرير بيكر ــ هاملتون وتوصياته، وستحمل معها خطتها الثلاثية تجاه الصراع في فلسطين، تلك الخطة التي ستستخدم أيضاً في استنفار الدول العربية أو محور المعتدلين لدعم السياسة الأمريكية الجديدة، ليس في فلسطين فقط، بل في العراق والمنطقة. ورايس أصرت ودفعت إلى لقاء عباس وأولمرت والاتفاق على تشكيل لجان مشتركة أمنية واقتصادية بحيث تستطيع رايس خلال وجودها إعلان نتائج عملية للقاء وإعطاء دفع للجان لمواصلة عملها وزيادة الاتصالات والتنسيق بين الجانبين وصولاً إلى المرحلة الثانية من خطة رايس التي تهدف إلى إسقاط حكومة حماس بالقوة تحت حجة المصلحة والدولة الفلسطينية. في السياق الفلسطيني الداخلي يفترض أن يقدم لقاء عباس مع أولمرت دفعة للأول في صراعه الجاد مع حركة حماس. عباس الذي يتبنى خيار التسوية والمفاوضات في مواجهة خيار المقاومة الذي تتبناه حماس والقوى المتحالفة معها يحاول أن يثبت للشعب الفلسطيني أن خياره فقط هو القادر على جلب المكاسب للشعب الفلسطيني ورفع الحصار الذي سببته حماس وخيارات وبرامجها المستندة إلى المقاومة ومواصلة الكفاح ضد إسرائيل. من البديهي الإشارة أيضاً إلى أن لقاء عباس مع أولمرت يهدف إلى إضفاء سمة القيادة أو النزعة القيادية على أبو مازن وإثبات أنه يتمتع بتلك الصفات التي تخوله قيادة الشعب الفلسطيني نحو الخيارات المناسبة والملائمة له بغض النظر عما تتمتع به حماس وقوى المقاومة من شعبية ونفوذ. في السياق الفلسطيني الداخلي أيضاً نحن أمام تقوية وتعزيز لعباس وحركة فتح، وخاصة في السياق الأمني عبر تحويل الأموال العائدة أصلاً للشعب الفلسطيني ونقل السلاح من مصر والأردن إلى الحرس الرئاسي. كل ذلك من أجل تنفيذ المرحلة الثانية من خطة رايس لإسقاط حماس بالقوة وتشكيل حكومة فلسطينية تستأنف الاتصالات مع إسرائيل. هذا في ما يتعلق بالسياق الفلسطيني الداخلي، أما بالنسبة إلى السياق الإسرائيلي الداخلي فنجد أن إيهود أولمرت يحاول هو الآخر أن يثبت مزاياه ومواهبه القيادية والسلطوية بعد حرب لبنان التي خرج منها مثخناً بالجراح ويحاول التأكيد والبرهان على امتلاكه رؤية في مواجهة المشكلات والمعضلات والتحديات الهائلة التي تواجهها إسرائيل، وخاصة في السياق الفلسطيني، أولمرت يهدف كذلك إلى صد كل الضغوط الممارسة عليه للرد إيجاباً على نداءات السلام السورية المتكررة والمتصاعدة في الفترة الأخيرة وقطعاً فإن أولمرت لا يمتلك القدرة لقول لا كبيرة للرئيسين السوري والفلسطيني في الوقت نفسه وهو يتحايل بنعم المتلعثمة للرئيس الفلسطيني وعلى لا القاطعة للرئيس السوري. لقاء إيهود أولمرت ومحمود عباس يندرج أيضاً في سياق فلسطيني إسرائيلي مشترك نرى فيه خضوعاً تاماً للسياسة الأمريكية التي تبحث عن هدوء وعدم انزعاج من الجانبين في هذه الفترة الحساسة، كما نرى فيه استجابة إسرائيلية لدعوات مصرية وأردنية بضرورة اللقاء مع محمود عباس قبل التفكير في لقاء أي من الزعماء والقادة العرب، كما نرى فيه دعماً وتحريضاً إسرائيلياً لقدرات الرئيس محمود عباس الخاص بإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية مبكرة، هذا القرار الهادف في الحقيقة إلى إبعاد وإسقاط حكومة حماس الشرعية والمنتخبة حتى لو كان الثمن السقوط في حرب أهلية فلسطينية داخلية.
* مدير مركز شرق المتوسط للصحافة والإعلام