وليد شرارة
تستحق تصريحات الرئيس اللبناني الأسبق أمين الجميل، التي أطلقها خلال زيارته للكيان الكردي الانفصالي في شمال العراق، وقفة تأمل. يبدو أن قسماً من قوى الرابع عشر من شباط انتقل من استلهام «النموذج العراقي» الى استلهام «النموذج الكردي». عودة سريعة إلى الوراء وإلى كتابات وتصريحات عدد من الرموز الإعلامية والثقافية والسياسية لهذه القوى عن «المشروع الثوري الأميركي» في المنطقة الذي سيحرك «مياهها الآسنة»، وعن استحالة التغيير من الداخل في ظل الأنظمة الموجودة وضرورة استغلال التحول الذي طرأ على الاستراتيجية الأميركية بعد الحادي عشر من أيلول 2001، الذي لم يتردد البعض في اعتباره «تطوراً تاريخياً لمصلحة الدمقرطة» في العالم العربي، أو عن الطابع التمثيلي لمجلس الحكم في العراق الذي «يتمتع بصفة تمثيلية أكثر من أي نظام عربي آخر»، تظهر أنها لم تراهن فقط على الدعم الأميركي لقلب موازين القوى الداخلية لمصلحتها بل هي اعتبرت أن النظام السياسي الذي شيد بإشراف الاحتلال في العراق نموذجاً يحتذى به. اليوم، وبعدما أضحى العراق، بفضل الاحتلال وأعوانه الخونة، ساحة لأكثر الحروب الأهلية بشاعة ودموية، انعطف أبطال ثورة الأرز نحو المنطقة الآمنة الكردية، القاعدة العسكرية والأمنية الأميركية ــ الاسرائيلية، لفهم أسباب وشروط «نجاح» التجربة و«استقرارها»، لعلها تكون قابلة للاستيراد.
الرئيس اللبناني الأسبق أشار في تصريحاته المذكورة إلى «النضال الذي خاضه الحزب الديموقراطي الكردستاني لتثبيت حق الأكراد في عراق ديموقراطي تعددي وحر... أسوة بالنضال الذي خاضه اللبنانيون عموماً والكتائب خصوصاً على مدى 70 عاماً في خدمة لبنان السيد الحر الديموقراطي والمستقل». أما العراق الديموقراطي التعددي والحر، فهو ليس إلا الفدرالية الحالية للطوائف والإثنيات المتناحرة، التي أقامها الاحتلال وأشرف عليها، وأما «نضال» الحركتين الانفصاليتين الكرديتين، فقد توج في السنتين الأخيرتين بعمليات تطهير عرقي واسعة النطاق للسكان العرب والتركمان في شمال العراق. حوالى مئة وسبعين ألف عربي وتركماني تعرضوا للتهجير بسبب أصولهم القومية. لقد ذكّر هذا «النضال»، على أغلب الظن، الجميل «بالنضال» الذي ساهم في قيادته منذ اندلاع الحرب الأهلية في لبنان عام 1975 والذي كانت من أبرز مآثره عمليات التطهير الاجتماعي والطائفي التي أدت الى تدمير حزام البؤس في ضواحي بيروت الشرقية وتهجير سكانه. أما العراق الحر، فقد «تحرر» بفضل غزو عسكري أميركي وهذا، بلا ريب، قد أعاد الى ذهن الشيخ أمين ذكريات محاولة «تحرير» لبنان عام 1982 استناداً إلى الاجتياح الإسرائيلي.
وبعدما أشاد بزعامة مسعود البرزاني الفذة، التي قادت كردستان الى برّ الأمان، رأى الجميّل أن هذا الأخير نجح في «وضع حدود للتدخلات والاختراقات الخارجية التي هي في أساس القلاقل الداخلية». المطّلعون على اتساع النفوذ الاسرائيلي في كردستان وتعاظم هذا النفوذ، يستطيعون أن يتساءلوا: عن أية تدخلات واختراقات يتحدث إذن، الشيخ أمين؟ عن تلك التي تقف وراءها سوريا وإيران طبعاً. فهما في العراق كما في لبنان أصل البلاء. أما تحويل كردستان إلى قاعدة اسرائيلية وأميركية للتجسس، وربما غداً للعدوان، على دول الجوار، فهو ينسجم بالكامل مع مفهوم جديد للسيادة ابتدعه بعض الأكراد ويسعى اليوم بعض اللبنانيين إلى تطبيقه في بلدهم.