حبيب فياض
مع اقترابها من نهاياتها المشرعة على أكثر من اتجاه، تتجه الأزمة النووية الايرانية نحو مرحلة متقدمة من التجاذب الذي قد يصل الى حد التصادم بين طرفيها الأساسيين، واشنطن وطهران، بنحو يبدو معه دور الأطراف الأخرى المعنية بهذه الأزمة أقل حضوراً وتأثيراً، من حيث يغيب الدور الأوروبي مع وصول المفاوضات بين ايران والترويكا الأوروبية الى طريق مسدود ليتحول الى مجرد دور خاضع ومستتبع للإرادة الاميركية وإملاءاتها، فيما يبقى دور كل من روسيا والصين فاعلاً وأساسياً في المرحلة الراهنة ما دامت الأزمة مطروحة على طاولة مجلس الأمن، بيد أن هذا الدور لن يكون على الدرجة نفسها من الفاعلية والتأثير إذا لم يبق أمام الادارة الاميركية سوى اللجوء الى الخيار الصعب وهو وضع حد لنشاطات ايران النووية بعيداً من الشرعية الدولية ومجلس الامن بعدما تكون هذه الادارة قد عجزت عن انتزاع إجماع دولي يقضي بفرض عقوبات على ايران، وهو المرجّح.
ما تقدّم يدفع الى الاعتقاد ان واشنطن ستجد نفسها في نهاية الأمر وجهاً لوجه أمام طهران، وبالتالي إما ان تُدار هذه الازمة من خلال التجاذب في اطار الحرب الباردة بينهما، وهو نوع من الرضوخ الاميركي المؤقت للأمر الواقع النووي الايراني، وإما ان تذهب الامور الى حد الصدام الفعلي بين الخصمين اللدودين اللذين لا تقف الخلافات بينهما عند حدود الملف النووي، بل تتعداه الى ما هو أبعد من ذلك، ما يعني دفع الامور في المنطقة، وربما العالم، الى حافة المجهول.
واذا سلمنا بأن الحرب الباردة التي تشهدها العلاقات بين واشنطن وطهران منذ اليوم الاول لانتصار الثورة الايرانية متعددة الجوانب والجهات، فذلك يفضي الى القول بأن محاولات أميركا لإضعاف ايران ومحاصرتها، بل وحتى القضاء عليها، لا تقتصر على جانب دون آخر، إذ الخصومة بينهما، كما يحلو للايرانيين التعبير عنها، حضارية، ثقافية، وعقائدية... قبل ان تكون سياسية مفتوحة على احتمالات عسكرية.
تأسيساً على ما تقدم، يمكن تحديد موقع الازمة النووية في سياق العلاقات الاميركية ــ الايرانية انطلاقاً من رؤية أخرى أكثر شمولية.
ذلك ان الملف النووي، على أهميته، يمثّل بعداً من أبعاد الازمة بين واشنطن وطهران من دون ان تكون محصورة به أو متوقفة عليه، يضاف الى ذلك ان المخاوف الاميركية من النشاط النووي الايراني ليست ناتجة ــ كما تدّعي واشنطن ــ من طموحات ايران النووية في المجالات غير السلمية بمقدار ما هي ناتجة من الطبيعة السلمية لهذه الطموحات. فواشنطن يضيرها ان ترى ايران تمتلك منشآت نووية تستفيد منها في إحداث نهضة تنموية وفي إنتاج الطاقة أكثر مما يضيرها امتلاك ايران قنبلة نووية لا تستفيد منها، وخاصة ان واشنطن تدرك ان في حوزة طهران من عوامل الردع وأوراق القوة ما يكفي لتحصينها وحمايتها من دون ان تكون مضطرة إلى الخوض في لعبة الردع النووي. يعتقد الايرانيون ان الاحتلال الاميركي لأفغانستان والعراق، ومن ثم الدخول الأميركي على خط الأزمة اللبنانية، كل هذا ليس سوى مقدمة لمحاصرة ايران أو الدخول في مواجهة معها، ما يعني ان الملف النووي قد يكون ذريعة، بالاضافة الى كونه سبباً، في أية حرب محتملة بين ايران واميركا، وبالتالي قد تشنّ واشنطن حرباً على ايران حتى لو تخلّت عن كل حقوقها النووية، وربما أيضاً لا تشن حرباً عليها حتى لو تجاوزت طهران في إنجازاتها النووية كل الخطوط الحمراء الاميركية، ذلك ان موجبات هذه الحرب أميركياً تتجاوز هذا الملف الى حسابات كثيرة ومعقدة تتصل بظروف المنطقة وجهوزية الاميركيين فيها.