نجيب نصر الله
حين يستحكم الخوف تستفحل الأخطاء. معادلة بسيطة لكنها قاتلة. البساطة التي توحي بها تزيد من الخوف، لأنها يمكن أن تودي الى الاستسهال، استسهال المراهنات، واستسهال ركوب الأخطار. ما تقدّم يصلح لاعتباره حال القوى الأساسية المتحكّمة بالمسار والمصير اللبنانيين.
لعل أخطر ما في السياسة ان تكون مدفوعة بالخوف، أو حتى بوهمه. الخوف لعبة قاتلة، وخصوصاً ان زمامها في مكان آخر خارج منطقة العقل والتفكير. الخوف يفتح على أكثر الاحتمالات سوءاً. الخوف سلاح ذو حدين، ولأنه كذلك يصعب تلافي مخاطره.
لا حاجة إلى القول إن معادلة الخوف هي التي تحكم المشهد السياسي اللبناني، وهي التي تقود خطوات معظم القوى الأساسية، ما خلا طبعاً تلك التي نذرت نفسها لأدوار ووظائف خاصة، هي في جوهرها الحقيقي استكمال للرسالة «الخالدة»، رسالة صون المصالح وركوب التقلّبات، ولعبة المراهنات.
ولا حاجة إلى القول إن حفلة التصعيد والتوتير الذي تلجأ إليه قوى «الأكثرية»، والذي يكاد يختصر كل المشهد اللبناني ويطبع إيقاعه، إنما يصدر من شعور بالخوف، مرادف للخوف الذي عملت على تعميمه، واستظلّت به لتمرير مشاريع وقرارات شرّعت للحضور الأطلسي المباشر وغير المباشر.
خوف «الأكثرية» هو غير خوف اللبنانيين. خوف اللبنانيين طبيعي، أما خوف «الأكثرية» فحقيقي. فالأسانيد الزائفة التي أقامت التوازن السلطوي الراهن، وسمحت بممارسة الاستئثار، تتجه الى السقوط الكامل، ولا داعي للقول ان سقوط هذا التوازن، أو اختلاله، الذي بات حتمياً، سوف يقود الى تعرية حقائق كثيرة، أولى هذه الحقائق وأهمها، أن ما كان ممكناً طوال الفترة التي تلت انكسار نظام الاستتباع السوري، لم يعد كذلك.
إذاً خوف الأكثرية حقيقي، وأكثر من مشروع، هو خوف على ضياع «الإنجازات» التي ابتنتها الغفلة، وابتنتها الأحداث، وفي مقدمها حادث اغتيال رفيق الحريري، الذي بات واضحاً لكل ذي نظر، أن قرار اغتياله، وبغض النظر عن المنفذ، إنما استبطنته عوامل عديدة، في طليعتها انفكاك التسوية الأميركية ــ السورية، والعدوانية الاميركية التي أطّرت نفسها بالقرار الدولي الذي حمل الرقم 1559، فهذا القرار قد أعطى الإشارة لتفجير الوضع اللبناني، وخصوصاً ان القرار في بنيته وبنوده، بحسب تحليل ذكي، على قدر من الإحكام والترابط ما يجعل من إمكان تنفيذ أي من بنوده مستحيلاً إن لم يستند الى عمل كبير بحجم الحادث، حادث الاغتيال. لقد مثّل العدوان الاسرائيلي حلقة أخرى ذات صلة بهذا القرار «الدولي». ربما كان فشل العدوان حدثاً موازياً في أهميته وخطورته لحادث الاغتيال، أو يمكن اعتباره الرد الفعلي على الاغتيال. السقوط المدوّي للعدوان هو الذي يشرّع الباب اليوم أمام انطلاق إعادة الاعتبار الى التوازن الذي أُطيح به ذات حلف رباعي، ويمثّل فرصة حقيقية لكسر الإيقاع الذي جعل البلاد مكشوفة على أفدح الأخطار. من هنا، التأسيسية التي اتسم بها الانتصار، والتي لن تقف عند الأسوار اللبنانية، سوف تجعل من احتمالات التصعيد مهما تأخرت حتمية.
يصعب جداً وصف «التهديدات» الصادرة عن الفريق السياسي «الأكثري»، بغير الابتزاز، بل إن الابتزاز هو أقل ما يمكن قوله في معرض التعليق على الحملة التي ترمي الى غاية وحيدة هي تأبيد الانفراد بالسلطة، الانفراد الذي يكاد يختصر كل المشهد السياسي منذ أن كان الانقلاب الذي أعاد إنتاج الفريق السياسي نفسه الذي مكنته حنكة الراحل حافظ الأسد وبطشه من الإمساك بمقدرات الحكم في لبنان، بعد الانتقام العنيف من المناوئين الفعليين الذين تفرّقوا في المنافي الداخلية والخارجية.
ولمزيد من التوضيح، من الضروري الإشارة الى ان الابتزاز الذي نعيش هذه الأيام فصل الذروة فيه، هو من النوع الذي يختص به رجال العصابات وقطاع الطرق، وهو مرادف لدى أصحابه للشعور باللاشرعية، وهو حتماً مثقل.