إعداد: ليلى نقولا الرحباني
نظرتان لحرب لبنان، إحداهما تعكس توجه الإدارة الأميركية بامتياز، ويظهر ذلك من خلال انطباقها على تصاريح وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس، أما الأخرى وإن كانت لا تعكس توجه الحكومة البريطانية ، فهي بالتأكيد تعكس وجهة نظر رأي عام أوروبي واسع،. باتريك سيل وهنري كيسنجر، كيف يرى كل منهما، من موقعه، حرب لبنان، أهدافها، نتائجها، وتداعياتها؟
يرى باتريك سيل أن حرب اسرائيل على لبنان لم تكن «حرباً عادلة»، فاختطاف جنديين اسرائيليين كان يأمل حزب الله مبادلتهما بسجناء لبنانيون يقبعون في السجون الاسرائيلية منذ ثلاثين سنة، لا يبرر تدمير لبنان، بينما يرى كيسنجر أن حزب الله في حروب دائمة منذ نشأته، وأن ما قامت به اسرائيل مجرد رد فعل على اعتداء تعرضت له.
يختلف المحللان أيضاً على أهداف الحرب، فسيل انطلاقاً من رؤيته أن هذه الحرب معدّة سلفاً مع واشنطن، يعتبر أن الغرض منها كان القضاء على حزب الله وإقامة حكومة لبنانية تخضع لاسرائيل وأميركا. بينما يرى كيسنجر أن أهداف حزب الله من هذه الحرب كانت تتعدى الحدود اللبنانية، فهي أولاً محاولة منه لتجاوز الخلاف القديم السني ـــ الشيعي. ثانياً تخفيف الضغوط عن إيران في ما يختص ببرنامجها النووي. ثالثاً محاصرة اسرائيل من خلال الضغط عليها من عدة جهات لإفشال عملية السلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين.
أما بالنسبة إلى نتائج الحرب، فتوافق الطرفان على اعتبار أن حزب الله خرج من الحرب أقوى مما كان عليه، وأنه من المستبعد أن يفكّك كحركة سياسية مسلحة، فلقد أخفقت اسرائيل في ذلك ولن يستطيع الجيش اللبناني أو اليونيفيل تحقيق هذا الأمر. ورأى سيل أن شعبية حزب الله ازدادت بعد الحرب، بالرغم من موقف خصومه في الداخل اللبناني، مضيفاً اعتقاده أن الطائفة الشيعية ستتشبّث به أكثر وتطالب له بدور أكبر في إدارة شؤون الدولة.
أما كيسنجر فرأى أنه بالرغم من الخسائر الجسيمة في الأرواح التي تكبدها الحزب، سوف يستعمل نفوذه ونجاحه في الحرب لإرهاب الحكومة اللبنانية والسيطرة عليها، وهذا يؤدي الى تقوية ايران وسوريا، وستُظهر اليونيفيل عجزها. فبحسب التجارب ستنسحب القوات الدولية من لبنان إذا تعرضت لهجوم إرهابي. ويرى أن التحدي أمام الإدارة الأميركية يكمن في عدم السماح لحزب الله بإعادة التسلح، ومنعه من الهيمنة على العملية السياسية في لبنان.
بالنسبة إلى اسرائيل، اتفق الطرفان على أن الحرب غيّرت في الوضع الإسرائيلي، إذ أدت الى المساس بسمعتها كدولة لا يمكن أن تقهر عسكرياً، وأفقدتها الإيمان بقدرتها الردعية. ويعتبر باتريك سيل، أن للحرب عواقب أخرى على المدى البعيد لم يدركها الرأي العام الإسرائيلي بعد. ورأى سيل أن أحد ضحايا الحرب هو قرار «الانسحاب الأحادي الجانب» الذي ورثه اولمرت عن شارون، كذلك انهارت ما سمّيت «خطة التجميع» القاضية بالاستيلاء على أراض في الضفة الغربية دون الرجوع أو التفاوض مع الفلسطينيين. وإقليمياً، يعتبر سيل أن الحرب ألغت كل إمكان لشن الحرب على ايران وسوريا.
يرسم كيسنجر صورة قاتمة جداً لنتائج الحرب على اسرائيل، إذ يرى أن هذه الحرب ضربت أسس شرعية وجود دولة اسرائيل ككل، وأسس إقامة الدولة الفلسطينية ورسم الحدود بين الكيانين، بل وأدت الى انهيار عملية السلام برمتها. لقد أسقطت الحرب، بنظره، معادلة رابين «الأرض مقابل السلام» وأسقطت مبادرة المملكة العربية السعودية.
ويرى سيل أن الولايات المتحدة واسرائيل واقعتان في حفرة عميقة، وهما بحاجة ماسّة الى التوقف عن الحفر قبل أن تبتلعهما الحفرة، وأنهما تقاتلان وتخسران على ثلاث جبهات: في العراق وفلسطين ولبنان. وأكد أن إسرائيل طرف في الحرب على العراق شأنها شأن الولايات المتحدة في حرب لبنان. وأشار الى وجود رابط واضح بين الحروب على العراق وفلسطين ولبنان، هو التعسف الأميركي الذي اتخذته إسرائيل نموذجاً للعنف العشوائي ضد المدنيين، وخرق المعاهدات الدولية الإنسانية. أما الحل بالنسبة إليه فيكمن في معالجة أسس المشاكل في الشرق الأوسط، وإيجاد سلام شامل قائم على الانسحاب الإسرائيلي من جميع الأراضي العربية المحتلة، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
بينما يرى كيسنجر، أن استمرار الستاتيكو على ما هو عليه غير مؤكد، فإيقاف النار لا يؤدي بالضرورة الى إنهاء الحرب، معتبراً أن التحدي الأكبر يأتي من ايران التي تدعم الحركات الإرهابية الأصولية مثل حزب الله في لبنان وميليشيا الصدر في العراق، وتقوم بتطوير برنامج نووي يهدد الاستقرار الإقليمي. لذلك فهو يطالب بوضع «خريطة طريق جديدة»، بعد حرب لبنان لمعالجة تداعياتها التي تكوّنت من جراء تنامي حركات فاشية مدعومة من دول «مارقة» تسعى الى القوة، تتلخص في تحضير مشروع جديد يضم الأميركيين والأوروبيين والاعتدال العربي، ويهدف الى الحفاظ على الاستقرار الإقليمي والنظام الدولي السائد. ويخلص المحللان في النهاية إلى الإجابة عن التساؤل التالي «الى أي أمد يمكن أن تستمر الهدنة الحالية؟»، يرى كيسنجر أن الاعتقاد بأن وقف النار في لبنان سينهي الحرب، هو اعتقاد خاطئ لأن ما يقوم به حزب الله ليس عمليات إرهابية منفصلة، بل تعديات على النظام العالمي القائم على احترام سيادة الدول، معتبراً أن وجود منظمات كحزب الله وتنظيم القاعدة ينبئ بأن الولاءات «فوق الوطنية» باتت تحل مكان الولاءات الوطنية، وهذا، برأيه، «جزء من حرب طويلة لا تحدّها حدود إقليمية معينة». بينما يعتبر سيل أن الإجابة عن هذا التساؤل تعتمد على مدى استعداد واشنطن واسرائيل لتقبّل الدروس الجيو ـــ سياسية لحرب لبنان وهضمها.
يبدو جلياً أن المنظّرين اختلفا على نقاط عديدة، لكنهما اتفقا بالتأكيد على أن اسرائيل هُزمت في لبنان، فهل يمكن أن ينسحب هذا الموقف على الداخل اللبناني، فيقر الجميع بأن لبنان انتصر فعلاً، ويتصرف المسؤولون اللبنانيون على هذا الأساس، وينتظرون تبلور الأزمة الاسرائيلية في الداخل، عوض تقديم هدايا مجانية للإسرائيليين بالإسراع في إعلان هزيمة لم تحصل، وإثارة تشنجات سياسية في الداخل تمنع اللبنانيين من تثمير انتصارهم على النحو المطلوب.