رشيد أسعد *
تناولت الحلقة الأولى السياق التاريخي للمشروع النووي الكوري. الحلقة الثانية والأخيرة تعرض تفاصيل المشروع والمترتبات السياسية والاستراتيجية على الأمن العالمي.
بـــدأت التكهّنات والشــــــكـــــوك التقنية تحوم حول تجربة كوريا الشمالية النووية. وقد أعــــــلنت بيونغ يانغ نجاحاً تاماً للتجربة بقدرة تفجيرية تراوح بين 5 و15 كيلوطن، وهذا هامش واسع غير مبرر تقنياً... واعتبر خبراء أن التجربة كانت فاشلة وهي لم تتجاوز الكيلوطن الواحد (انفجار متواضع بالمقارنة مع تجربتي الهند وباكستان الـــــلتين قـــــدّرتا بحوالى 14 كيلوطن). نــــــشير إلى أن الكيلوطن هو وحدة قياس تدميرية تعـــــادل 1000 طن مــــن مــــــادة الـ«ت. ن. ت» الــــــشديدة الانفجار.
وذهب بعضهم إلى اعتبار قوة التفجير أقل من 500 طن ويمكن إحداثها بواسطة انفجار كلاسيكي باستخدام كمية كبيرة من نترات الأمونيوم. لكن هذا الاعتبار سقط مع إعلان الولايات المتحدة زيادة في النشاط الإشعاعي في المنطقة. ولأن كوريا الشمالية بكاملها عبارة عن ثكنة عسكرية محكمة الإغلاق استخبارياً، هناك غياب واضح لقدراتها التقنية في وسائل التفجير والطاقة المتولدة. نشــــــــير، على سبيل المثال، إلى أن الــــــتــــــــجربة الأميركية الأولى في نيفادا (Trinity) وقــــــــــــنــــــــــبلـة ناكازاكي في الحرب الــــــــــــثــــــــــــانـــــــــية (Fat Man) أعطت قوة تدميرية توازي 20 كيلو طن باستخدام 6،1 كلغ من البلوتونيوم حيث كانت التقنيات لا تزال منخفضة المستوى.
في الحديث النووي عن بيونغ يانغ، لا يمكن إغفال قدراتها الصاروخية البالستية باعتبار أن وسائل إطلاق ونقل الرؤوس النووية تكاد توازي قيمة الرؤوس نفسها. وتمتلك كوريا في هذا الشأن ما يلي:
ــ ســــــــــــكود B: وهو نسخة معــــــــدّلة من سكود الروسي، يصل مــــــــــداه إلى 320 كلم مع شحنة تفجيرية تعادل ألف كلغ.
ــ سكود C: يصل مداه إلى 570 كلم مع شحنة 770 كلغ، ويـــــــمـكن أن تكون الشحنة تقليدية أو كيميائية أو عنقودية.
ــ نودونغ: يصل مداه إلى 1480 كلم مع شحنة 1200 كلغ وهو مصمم لحمل رأس نووي.
ــ تيبو دونغ 1: يصل مداه إلى 2300 كلم مع شحنة ما بين 1000 و1500 كلغ.
ــ تيبو دونغ 2: يصل مداه إلى 6200 كلم مع شحنة ما بين 700 و1000 كلغ.
ــ تيبو دونغ 2 (معدّل): يصل مداه إلى 15000 كلم، لا معلومات عن وزن الشحنة التفجيرية، باستطاعته حمل رأس نووي واستهداف كل شمال أميركا والقواعد الأميركية في كل آسيا والمحيط الهادىء مع غياب المعلومات عن دقته التهديفية.
ونشير إلى أن بيونغ يانغ تمتلك طائرات مقاتلة من العهد السوفياتي في إمكانها نقل وإطلاق قنابل نووية، والطائرات المقاتلة هي الوسيلة الفضلى في هذا الشأن لعدم إمكانية رصد حمولتها.
إن امتلاك كوريا الشمالية السلاح النووي والصواريخ العابرة يؤثر في الأمن القومي الأميركي في عمق الولايات المتحدة، وأيضاً في الأمن الآسيوي، ما يهدد كل المصالح الأميركية هناك. وإن عدم التزام بيونغ يانغ معاهدة NPT سيؤدي إلى إضعاف هذه المعاهدة إلى حد كبير... وسيفتح الباب أمام المزيد من الطموحات النووية لدى بلدان أخرى في العالم... لقد دخلت بيونغ يانغ حلبة تحدي إرادة القطب الواحد، ولم يعد أمام الأميركيين من خيار سوى المواجهة.. ولكن أي نوع من المواجهات؟ وهل ستخرج الولايات المتحدة عن طورها لتحصل أزمة شديدة الخطورة والتعقيد تذكّرنا بالأزمات التي تسبق عادة الحروب الكبرى؟
* خبير في الفيزياء النظرية