وليد شرارة
البحث عن مخرج من المأزق الأميركي المتعاظم في العراق بات هدفاً مركزياً للتحالف العسكري ــ الأصولي ــ المحافظ الجديد، الحاكم في الولايات المتحدة وجيش الخبراء والمستشارين المرتبط به. عدد كبير من هؤلاء اصبح مقتنعاً بأن الخطة الاميركية الأصلية في بلاد الرافدين، إنشاء فدرالية طوائف وإثنيات تحت الإشراف الاميركي، قد باءت بالفشل، وبأن اعتماد خطة بديلة ضرورة حيوية للولايات المتحدة ولاستراتيجيتها الإقليمية.
سببان أساسيان يفسّران هذا الفشل. الأول والأهم، هو تصاعد المقاومة العراقية الباسلة التي ألحقت بجيش الاحتلال خسائر متزايدة في الشهور الاخيرة. ففي شهر تشرين الأول الفائت، بلغت خسائر هذا الجيش اكثر من مئة قتيل وعدداً أكبر من الجرحى. وتفيد تقارير اميركية متعددة المصادر، بما فيها تلك التي أعدتها مراكز ابحاث مرتبطة مباشرة بالمحافظين الجدد، بأن الحرب الشاملة والدموية التي تشنّها القوات الغازية وقوات الحكومة العراقية المتعاونة معها على معاقل المقاومة، وأصناف التنكيل والاضطهاد التي تمارسها بحق جماهيرها وأنصارها، بما فيها المجازر المروعة التي ترتكبها فرق الموت العميلة، لم تنجح في وقف التصاعد المذكور للمقاومة.
السبب الآخر إقليمي، وهو المواجهة بين واشنطن وطهران حول مشروع هذه الأخيرة النووي. واشنطن تسعى اليوم الى احتواء النفوذ الإقليمي لطهران، والعراق من أهمّ الساحات التي اتسع فيها هذا النفوذ في السنوات الاخيرة. هذا ما يفسر تكاثر الدعوات الى حل الميليشيات وخصوصاً ميليشيا جيش المهدي التي تعدّ مجرّد أداة ايرانية في نظر الولايات المتحدة، وهي تدفع الحكومة العراقية للصدام الجدي مع هذا الجيش وتعمل على إيجاد الظروف الملائمة لمثل هذا الصدام.
لم تعد الأوساط المطالبة باعتماد خطة بديلة في العراق تتورع عن الحديث العلني عن ضرورة تقسيم العراق الى ثلاث دويلات. اول من افصح عن هذا التصور هو الرئيس الفخري لمجلس العلاقات الخارجية ليسلي غيلب، منذ ثلاثة سنوات في مقالة نشرها في صحيفة «نيويورك تايمز» بعنوان «العراق: حل الدول الثلاث».
منذ تلك الفترة وأنصار هذا «الحل» يتزايدون مع مرور الايام. واللافت أن خلفياتهم السياسية مختلفة لكنهم يلتقون على مقاربة «برغماتية» مزعومة للوضع العراقي تنطلق من المسلّمة نفسها، وهي أن الواقع الحالي، واقع الاقتتال الطائفي والتطهير الطائفي والعرقي، الذي عمل الاحتلال الاميركي وأعوانه بكل الوسائل والسبل على فرضه، يعكس حقيقة الديناميات العميقة في المجتمع العراقي، وأي حل ينبغي أن يأخذ هذه الأخيرة بالحسبان. «نحن حيث نحن» (we are where we are) هي المقولة المفّضلة لجميع هؤلاء. وقد انضمّ إلى صفوفهم في الآونة الاخيرة لاري دايموند ولي هاملتون وإدوارد لوتواك، وساهموا، الى جانب الأنصار الاصليين لمشروع تقسيم العراق، ليسلي غيلب وبيتر غالبريث، في أعمال لجنة بيكر المكلفة بطرح تصور للخروج من المأزق العراقي، وظهر أثر مشاركتهم في توصيات هذه اللجنة، وضمت وزيرة الخارجية البريطانية صوتها الى جوقة انصار التقسيم أخيراً عبر حديثها عن أن التقسيم افضل من الاقتتال الأهلي. وخصصت مجلة «نيوز ويك» عدداً من صفحاتها لمقال تبشيري بالحل العتيد بقلم فريد زكريا.
مشروع تقسيم العراق بات علنياً. ومما يجدر ذكره أن ليسلي غيلب طرح في مقالته المذكورة سابقاً، أن تقسّم السعودية بعد العراق.