وليد الزبيدي *
زاويتان رئــيسيتان، لا بــــــد من التوقف عندهما ونحن نقرأ قضـية تصفــية شركة «بكتل» العملاقة موجوداتها ومغادرة العراق نهائياً، الذي دخلته بعد اسابيع قليلة من احتلاله في التاسع من نيسان عام 2003، وأعلنت حينها عن خطط لوجود يمتد لعشرات السنين، وهاتان الزاويتان هما:
الأولى: ما أدهش العراقيين هو سماعهم للمعلومات التي أعلنت «بكتل» عن إنجازها 98 مشروعاً عملاقاً في العراق من بين 100 مشروع خططت لتنفيذها، منذ أن دخلت بحشد كبير من الطواقم، العراق ربيع 2003، وسبب دهشة العراقيين، أننا لم نشاهد أي مشروع عملاق أو متوسط أو بسيط، أنجز في هذا البلد، ابتداءً من عهد غاي غارنر اول مسؤول اميركي عن العراق بعد الاحتلال، مروراً بزمن بول بريمر ثم الحكومات اللاحقة، وعندما نقول إنه لا يوجد مشروع واحد، فهذا ليس إنكاراً لحقائق على ارض الواقع، بل هو الواقع الذي يتحدث عن ذلك، وإذا كان لدى شركة بكتل خلاف ذلك فلتعلنه امام العراقيين، عسى أن نستدل على مشروع واحد فقط من تلك المشاريع العملاقة التي يقول الاميركيون إنهم أنجزوها، خصوصاً أن تخصص بكتل في الإعمار يشمل المشاريع الظاهرة للعيان، ومن اهمها الطرق السريعة والجسور والمستشفيات والمدارس والعمارات السكنية ومشاريع الماء والكهرباء وكل ما يتعلق بالبنية التحتية، وفي جميع هذه الميادين، لم يحصل بناء إو انشاء أو تأسيس اي من تلك التي أشرنا اليها، بل على العكس هناك تخريب للطرقات بسبب حركة الدبابات والمدرعات والآليات الاميركية، وتخريب لشبكة المياه والصرف الصحي في المدن، أما الكهرباء فقد غابت تماماً عن حياة العراقيين، وهذا معروف للجميع ولم يعد من الأسرار، اما المــــــــستشفيات والمدارس، فهناك العشرات التي قصـــــــــفتها القــــــــــوات الاميركــــــــــية، ولم يصر إلى ترميمها، والقائمة تطول في هذا الجانب، فأين تلك المشاريع العملاقة التي أنــــــــجــــــــزتها بكتل في العراق؟ هذا ما لا يعلم به العراقيون ولم يـــــــشـاهدوا أثراً له في مدنهم وقراهم والأحياء السكنية.
الثانية: ان توقيت خروج «بكتل» العملاقة من العراق في هذا الوقت بالذات، هو اعتراف كامل بفشل مشروع احتلال العراق، لأن بكتل تمثّل أحد أهم جوانب المشروع الاميركي في هذا البلد، أي الجانب الاقتصادي، وعندما نتحدث عن فشل «بكتل»، يجب ألاّ نخطئ ونظن أنها فشلت بعد أن تردّت أوضاع الجيش الاميركي في العراق، بل إن «بكتل» فشلت قبل غيرها، وعندما تمكنت المقاومة العراقية من مطاردة هذه الشركة، ومنعها من التحرك خارج حدود المنطقة الخضراء، فإنها اضطرت مرغمة وفي وقت مبكر إلى وقف مشاريعها، ثم بدأت بإلغائها. وقبل ثمانية اشهر، كانت الشركات الاميركية قد أنهت وجودها وأقفلت عائدة من حيث أتت، لأن حركة سيارات هؤلاء والمسؤولين فيها اصبحت مستحيلة في بغداد وخارجها، وها هي «بكتل» تعلن سقوط الورقة الأخيرة من الاحتلال الاقتصادي للعراق، وهو ما يؤكد تهشّم مرتكزات المشروع الاميركي في هذا البلد.
من خلال هاتين الزاويتين، يمكن قراءة القرار المهم الذي اتخذته الادارة الاميركية مرغمة، وأنهت وجود «بكتل» في العراق.
* كاتب عراقي