علوان أمين الدين *
يكثر الحديث اليوم عن الأغلبية التي يجب توافرها في جلسات انتخاب رئيس الجمهورية، إذ يقول البعض إنه «ليس في الدستور ما يُلزم أن يكون نصاب جلسة انتخاب رئيس الجمهورية أكثرية ثلثي عدد (أعضاء) مجلس النواب». وهذا الأمر يستوجب التوقف عنده.
إن المادة 49 من الدستور تنص على أن رئيس الجمهورية ينتخب بالاقتراع السري بغالبية الثلثين في الدورة الأولى، ويكتفى بالغالبية المطلقة في الدورات التي تلي من دون تحديد هذه الأغلبية بدقة. ومع عمومية النص، تُثار هنا مسألتان أساسيتان: الأولى هي الأغلبية الواجب حضورها في الجلسة لتكون قانونية، والثانية الأغلبية الواجب الحصول عليها في عملية الاقتراع.
في عام 1976 وبمناسبة انتخاب الرئيس الراحل إلياس سركيس، قرر كل من مكتب مجلس النواب ولجنة الإدارة والعدل أن النصاب الدستوري في الحالتين هو ثلثا عدد مجلس النواب الكامل أي 66 من أصل 99. ولكن الفقيه الفرنسي جورج فيدال أكد في استشارة له أن الأغلبية تحسب على أساس أعضاء المجلس العاملين باستثناء الأموات، وهذا الرأي هو الذي اعتمدته اللجان المشتركة عام 1980 وأقره المجلس. وهذه المشكلة أيضاً أثيرت عام 1982 بمناسبة انتخاب الرئيس الراحل بشير الجميل، واعتُمد المبدأ السابق نفسه.
ولكن الكثيرين من فقهاء القانون الدستوري يخالفون هذا الرأي معتمدين على عدد من الحجج، أهمها: أولاً، إن بعض المواد في الدستور التي تتعلق برئيس الجمهورية تحتاج إلى ثلثي الأعضاء لإقرارها على غرار ما تنص عليه المادة 60 من الدستور، والمتعلقة باتهام رئيس الجمهورية بالخيانة العظمى أو خرق الدستور والتي تحتاج إلى موافقة 86 نائباً على الأقل لاتهامه. ثانياً، إن إنتخاب رئيس الجمهورية بأغلبية ثلثي الأعضاء يعطي الرئيس قوة ودفعاً لكونه يمثل، بحسب نصوص الدستور، رمزاً لوحدة البلد ولا يجوز أن يتم الأخذ بأغلبية أخرى. ثالثاً، إن الخفض الذي تم الأخذ به في السابق كان في ظروف استثنائية تكمن في عــــــــــدم التمكُّن من إجراء انـــــــــتخابات جديدة وخاصة أن آخر انتخاب لمجلس النواب قبل الطائف كان عام 1972.
ولقد ذكر الرئيس السابق للمجلس حسين الحسيني في مقال له عام 1988 أكد فيه اعتماد نسبة الثلثين من مجموع الأعضاء الـ 99 عند حساب الأغلبية الدستورية. ومن أبرز الوقائع العملية الدالة على ذلك «امتناع الرئاسة (أي رئاسة مجلس النواب) عن طرح مرسوم إعادة النظر في أحد القوانين على المجلس بسبب عدم توافر الأغلبية المطلقة وهي 50 نائباً. وبذلك تكون الرئاسة قد اعتبرت أن الأغلبية المطلقة للمجلس يجب أن تُحسب على أساس العدد الكامل للنواب، من دون استثناء الأموات».
ومن جهة أخرى، نرى أن السوابق المعمول بها بعد اتفاق الطائف تتبنى نظرية عدم صحة جلسات مجلس النواب، في هذه الحالة تحديداً، إلا بحضور ثلثي أعضاء المجلس والتصويت بالأغلبية نفسها في الدورة الأولى (التجديد للرئيس الهراوي وانتخاب الرئيس إميل لحود والتجديد له) واعتماد الأغلبية المطلقة في الدورات التي تلي، اقتراع 86 نائباً وحضورهم في جميع الجلسات لضمان بقاء نصاب الجلسة وقانونيتها (وهذا لم يحدث بعد لكون المرشحين قد فازوا في الدورة الأولى).
فمع عمومية النص، يجب الأخذ بالعرف الدستوري (الذي نشأ من سوابق أُخذ بها ولم يُعترض عليها) واعتماد مبدأ الثلثين لصحة انعقاد الجلسة والاقتراع بالأغلبية نفسها، ما يحتِّم موافقة 86 نائباً وحضورهم في الدورة الأولى أو موافقة 65 نائباً مع إلزامية حضور 86 نائباً في دورات الانعقاد التي تلي. ولهذا يجب توافر أغلبية ثلثي كامل أعضاء المجلس في جميع جلسات انتخاب رئيس الجمهورية. فالحوادث الاستثنائية السياسية التي مر بها لبنان لا يجوز أن تعتبر حدثاً عادياً يؤخذ به أو يُتبنّى لكونه قد حصل في ظروف صعبة جداً وتم التوافق على خلاف النصوص كي لا يتم تعطيل المؤسسات السياسية في البلد في تلك الفترات. فالاستثناء لا يصح أن يعتبر قاعدةً أو يُقاس عليه، فاقتضى التوضيح.
* كاتب لبناني