خورشيد دلي*
يخطئ رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت مرة أخرى إذا اعتقد أنه بالقوة سينجح في إجبار الشعب الفلسطيني على التنازل عن حقوقه الوطنية. فبعد درس الهزيمة في لبنان، ها هو ينطلق من وهم القوة العسكرية في حملته الدموية الجديدة ضد الفلسطينيين، إذ يعتقد أنه في ضوء المخططات الأميركية الرامية إلى إعادة ترتيب منطقة الشرق الأوسط قادر على فرض التسوية، ودفع الفلسطينيين إلى الاستسلام لمخططاته، والعرب إلى التطبيع الكامل، اعتماداً على السياسة الأميركية التي جعلت العرب والمسلمين في دائرة الاستهداف المباشر في مرحلة ما بعد الحادي عشر من أيلول وذلك في جهل لدروس التاريخ ولإرادة الشعوب.
في الواقع، على الرغم من أن أولمرت أوحى مراراً بأنه مستعد لتسوية مع سلطة الرئيس محمود عباس دون حكومة حماس، إلا أن يوميات العدوان الإسرائيلي من قتل واغتيال وحصار وتدمير للبيوت وصولاً إلى المجزرة التي ارتكبت في بيت حانون تؤكد أن أولمرت كسلفه آرييل شارون غير مهتم بالتسوية مع الفلسطينيين، وبالتالي فإن ما ينبغي استخلاصه هو أمران.
الأول: أن لا سلام في أجندة أولمرت، وما يعلنه الأخير أو ما يوحي به بأنه مستعد للتسوية مع الفلسطينيين وتحديداً مع الرئيس عباس لا يعني على الأرض سوى تحقيق المزيد من الأمن والسلام لكيانه على حساب الفلسطينيين أمناً وحقوقاً ووجوداً، وأدواته في ذلك حرب مفتوحة بدعم أميركي، حيث يعمل أولمرت بكل الوسائل من أجل تحويل غزة إلى محرقة لعدوانه وفي الوقت نفسه لتعزيز لخلافات الداخلية الفلسطينية التي تعمّقت على عتبة تأليف حكومة وحدة وطنية.
الثاني: أن أولمرت، وخاصة بعد انضمام اليميني المتطرف أفيغدور ليبرمان إلى حكومته، يعتقد أنه بالقوة وانطلاقاً من مواقف أيديولوجية مسبقة سينجح في حسم القضايا الحساسة مثل القدس، اللاجئين والمستوطنات، بحيث تصبح هذه القضايا خطاً أحمر لحكومته أو لأي حكومة إسرائيلية مقبلة، فضلاً عن أن مثل هذا التوجه بات يشكل خياراً لصرف الأنظار عن فشله العسكري في لبنان.
من الواضح أن أولمرت يريد القول: إن لا سلام سوى سلام إسرائيل وإن لا دولة فلسطينية لها سيادة وقوة وجيش وأمن وسماء طالما أن لا أحد في العالم مستعد لإجباره على الالتزام بالشرعية الدولية التي هدرت على يد المحافظين الجدد في البيت الأبيض الأميركي، وما دام الموقف العربي ضعيفاً لا يرتقي إلى مستوى التحديات.
دون شك، من شأن مجزرة بيت حانون دفع المشهد الفلسطيني إلى مرحلة جديدة، لعل أهم معالمها تعبئة الشارع الفلسطيني والتفافه حول مقاومته من جديد بعد فترة من (الخمول والتهدئة) بسبب الخلافات الفلسطينية ــ الفلسطينية أولاً. وثانياً: لحجم الضغوط العربية والدولية على القوى الوطنية الفلسطينية التي لها أجنحة عسكرية وذلك على أمل تحقيق تسوية ما مع الحكومة الإسرائيلية ... إلا أنه بعد كل ما جرى بات الشارع الفلسطيني مقتنعاً أكثر من أي وقت مضى بأن حكومة أولمرت هي أكثر الحكومات الإسرائيلية بعداً عن التسوية المنشودة من جهة، ومن جهة ثانية تأكدت القناعة بأن المقاومة هي أكثر الخيارات فعالية تجاه الثابت السياسي في الحفاظ على الحقوق ونيلها. وإن فقدان هذا الخيار بات المدخل الأساسي لانتصار المشروع الصهيوني... بعد كل هذا فإن أجواء الأراضي الفلسطينية هي أجواء انتفاضة ثالثة، ولعل أولى إشارات هذه الانتفاضة إعلان الجيش الإسرائيلي بعد مجزرة بيت حانون حالة الطوارئ القصوى وتلقيه مئات الإنذارات خلال ساعات بتنفيذ عمليات استشهادية من شأنها نقل ساحة المواجهات والاشتباكات إلى قلب المدن الإسرائيلية بدلاً من الهجمات الإسرائيلية المتواصلة على المدن والبلدات الفلسطينية التي تتعرض لتدمير منظم من الجيش الإسرائيلي.
دون شك، مجزرة بيت حانون جاءت في توقيت مهم، فعلى المستوى الدولي تزامنت مع هزيمة الجمهوريين في انتخابات الكونغرس النصفية وسط ملامح الفشل الأميركي في العراق، وعلى المستوى الإسرائيلي في أعقاب الهزيمة العسكرية القاسية في لبنان. وعلى المستوى العربي: تصاعد المد الشعبي الذي بدأ يتجاوز الموقف الرسمي الضعيف. وعلى المستوى الفلسطيني: إخفاق جهود تأليف حكومة وحدة وطنية وبروز حالة من التعبئة والبحث عن وسائل الرد العسكري حتى لو كان عبر صواريخ القسام واستئناف العمليات الاستشهادية .... ولعل من شأن كل ما سبق له انعكاساته على الساحة الفلسطينية في إيجاد الروافع المناسبة لتغيير الأداء الفلسطيني حتى لو جرت الأمور من خلال انتفاضة ثالثة.
*كاتب سوري