رشيد أسعد *
تضاربت التقارير وكثرت التكهّنات باستخدام إسرائيل قذائف باليورانيوم المنضب عند قصفها الجنوب اللبناني، وعمّا يمكن أن يؤدي إليه هذا الاستخدام في حال ثبوته من تداعيات صحية سلبية. وبالقدر نفسه الذي لا نريد فيه تبرئة اسرائيل، لا نريد أن يصاب الأهل الأعزاء في الجنوب بهلع غير مبرر. فما هو اليورانيوم المنضّب (Depleted Uranium)؟ أين يستخدم؟ وما هي التداعيات الناتجة من استخدامه؟
خلال تخصيب اليورانيوم الطبيعي تُستخرج نظائر اليورانيوم القابلة للانشطار (U-235) لاستخدامها في المفاعلات النووية. ما يتبقى بعد هذه العملية هو اليورانيوم المنضب حيث يكون بالحالة الغازية (UF6) داخل حلقات أجهزة الطرد المركزي بكميات يُعتدّ بها. على سبيل المثال، لإنتاج كيلوغرام واحد من اليورانيوم المخصب بنسبة 5 في المئة نحتاج إلى 12 كيلوغراماً من اليورانيوم الطبيعي مما يترك 11 كيلوغراماً من اليورانيوم المنضّب. يُحوّل هذا الغاز إلى معدن كثافته عالية جداً (19050كلغ في المتر المكعب)، فيكون أثقل من مادة الرصاص بحوالى 70 في المئة، وأخف بقليل من مادة الإيريديوم الأثقل في الطبيعة.
تكون كلفة إنتاج اليورانيوم المنضب زهيدة (يُنتج عَرَضيًا خلال التخصيب)، بينما تكون كلفة تخزينه في الحالة الغازية لوقت طويل عالية لضرورة عزله عن الهواء. لذلك يُحوّل إلى معدن للإفادة منه في استخدامات عسكرية وسلمية متنوعة.
على المستوى العسكري، تكتسب القذيفة باليورانيوم المنضب طاقة حركية ضخمة (Kinetic Energy) خلال طيرانها بسبب ثقلها (كثافتها) وبسبب ضعف مقاومة الهواء لها لصغر حجمها. يؤدي هذا إلى ضغط هائل عند نقطة الاصطدام. لذلك تستخدم هذه القذيفة لاختراق التحصينات المنيعة فوق وتحت الأرض وتدميرها. ويؤدي الضغط عند نقطة الاصطدام إلى تولّد حرارة كبيرة (حوالى 1000 درجة مئوية)، ما يساعد على اختراق أي درع أو تحصين معدني، لذلك تستخدم ذخائر اليورانيوم أيضاً ضد الآليات المدرّعة.. من ناحية أخرى، يستخدم اليورانيوم المنضب في تدريع الدبابات الحديثة بسبب كثافته العالية المقاومة للقذائف الكلاسيكية المضادة للدروع. نشير إلى أن الجيوش الحديثة في العالم تحتفظ بمخزون كبير من معدن اليورانيوم المنضب للاستخدام العسكري. على سبيل المثال، يبلغ مخزون الولايات المتحدة 480 ألف طن ومخزون إسرائيل 50 ألف طن.
على المستوى السلمي، يستخدم اليورانيوم المنضب حيث الحاجة إلى ثقل كبير بحجم صغير. فالطائرات الحديثة المدنية والعسكرية تستخدمه كثقل موازن (Counter Weight) بهدف إحداث توازن في هيكلها خلال الطيران (تستخدم البوينغ 747 أكثر من 1500 كلغ منه). ويشكل المعدن الغاطس في معظم حفارات النفط الحديثة، إضافة إلى ذلك تُخزّن المواد المشعة في المختبرات أو خلال نقلها في مستوعبات جدرانها من اليورانيوم المنضب. ويستخدم درعاً واقياً خلال العلاج بالإشعاعات المتنوعة في المستشفيات..
يسود اعتقاد خاطىء أن الخطر الأساسي الناتج من الاستخدام العسكري لليورانيوم المنضب هو في الإشعاع الحاصل بعد الانفجار. إن هذا الخطر ضئيل للغاية، لأن النظائر المشعة تكون قد نزعت منه خلال عملية التخصيب، ولأن التآكل التلقائي (Decay) لذرة اليورانيوم المنضب يحتاج إلى 4,5 مليار سنة (عندما تتآكل الذرات تشعّ). نشير إلى أن كمية إشعاع هذا اليورانيوم هي أقل من 60 في المئة من اليورانيوم الموجود في الطبيعة الذي بدوره لا يشكل خطراً إشعاعياً داهماً. يكمن الضرر النسبي في كون هذا اليورانيوم من المعادن الثقيلة التي تولد سموماً عند احتراقها وتأكسدها مع الهواء الرطب وامتزاجها بالتراب والماء، مع التأكيد أن هذا الخطر موضعي لا يتجاوز الأمتار مع إمكانية نقل الهواء بعض الذرات إلى أماكن أبعد حيث يتضاءل الضرر مع المسافة.
بعد حرب الخليج الثانية وحرب البلقان وما رافقهما من استخدام ذخائر باليورانيوم المنضب، أجرت هيئات علمية تابعة للأمم المتحدة وأخرى محايدة بحوثاً دقيقة لتداعيات هذا الاستخدام على البيئة وعلى الجنود المشاركين وسكان المناطق القريبة من القصف. ووصلت إلى الخلاصات التالية:
ــ لا يتعدى التلوث البيئي عشرات الأمتار من مكان الانفجار ويمكن تنظيفه بمواد خاصة.
ــ يكون تلوّث المياه والنباتات في المنطقة ضئيلاً، بالتالي احتمال إصابة السكان بمشاكل في الجهاز الهضمي شبه معدوم.
ــ قد ينقل الهواء والمطر هذا التلوث إلى أماكن بعيدة نسبياً من دون إحداث أي خطر على هذه الأماكن.
ــ ليس هناك أي خطر عند ملامسة بقايا اليورانيوم المنضب، إذ إن جلد الإنسان يمتلك دفاعاته الخاصة لمنع هذه البقايا من الدخول إلى الجسم، إلا عند دخول التلوث عبر جرح في الأنسجة، حيث يصل إلى الدورة الدموية ما يؤدي إلى أعراض جانبية.
ــ لدى استنشاق غبار اليورانيوم وبالتالي دخوله الدورة الدموية، تتكفل الكلى بفلترة 70 في المئة منه في أول يوم ثم أكثر من 90 في المئة في الأيام التالية ويُصرف مع البول. هذا يؤدي إلى تلف في بعض خلايا الكلى لكن من دون تشكيل خطر على حياة الإنسان.
ــ لم يثبت أي ربط علمي بين اليورانيوم المنضب واللوكيميا والسرطانات الأخرى.
ــ لم يثبت أي ضرر أو تشوّه جيني في الولادات التالية للحدث.
ــ يُنصح بشدة بعدم لعب الأطفال في المواضع المستهدفة، لأن الطفل يلمس ثم يضع يده في فمه ما قد يؤدي إلى جرعة تلوث كبيرة.
ختاماً، إلى الآن لا توجد معاهدة دولية لحظر استخدام ذخائر باليورانيوم المنضب شبيهة بمعاهدة حظر السلاح النووي (NPT) ربما لأن البحوث العلمية وضعت فقط دوائر من الشكوك حول الأخطار المحتملة ولم تثبت في شكل قطعي أن هذا السلاح قاتل للبيئة وللإنسان.
* خبير في الفيزياء النظرية