وليد شرارة
للمرة الأولى منذ بداية الأزمة السياسية في لبنان يهاجم النائب سعد الحريري ايران ويتهمها بالضلوع مع سوريا في مؤامرة تستهدف «الانقلاب على الشرعية ومنع قيام المحكمة الدولية وتعطيل القرار 1701 وإجهاض مؤتمر باريس 3 الاقتصادي وصولاً الى عودة البلاد الى قبضة الوصاية السابقة». في الفترة السـابقة، كان تيار المستقبل وقياداته السياسية حريصين على حصر المواجهة مع خصومهم السياسيين اللبنانيين ومع سوريا وعلى تحييد ايران. الهجوم على هذا البلد واعتباره «أصل البلاء» ومركز القرار الفعلي في المحور المعادي كان من اختصاص النائب وليد جنبلاط وآخرين من رموز قوى 14 شباط.
تبنّي النائب الحريري هذه الاتهامات مؤشر واضح إلى تجذّر المواجهة السياسية الدائرة في لبنان وإلى مسعى حثيـث لربطها بتلك الدائرة على المستوى الاقليمي. الوزراء المستقيلون والقوى السياسية التي يمثلون، حسب هذه الاتهامات، مجرد أدوات سورية ــ ايرانية. نزع الصفة الوطنية اللبنانية عن هؤلاء هو المدخل الضروري للتشكيك في مجمل المواقف والسياسات التي يعتمدون. تتضح في ضوء هذا الاتهام الخلفية الحقيقية لإصرار رموز 14 شباط العنيد على نفي الانتصار الكبير الذي حققته المقاومة الاسلامية بفضل الصمود الاسطوري لمقاتليها وجماهيرها في مواجهة العدوان الصهيوني خلال الصيف الفائت.
لقد خاضت هذه المقاومة، في أفضل الأحوال، بنظر القوى الشباطية، حرباً دفاعــــــــــية عن المحــــــــــــور السوري ــ الايراني لا نـــــــــــاقة للبنان فــــــــــيها ولا جمل، أو هي شنت في أسوأ الأحوال، حسب بعضهم، حرباً استباقــــــــــيـــــة لخدمة المحور المذكور. مزارع شبعا، الأسرى اللبنانيون، الانتهاكات الاسرائيلية اليومية للسيادة اللبنانية لـــــــــــيســـت سوى حجج واهية لتبرير الاحتفاظ بالسلاح دفاعاً عن سوريا وايران ولتخريب الموسم السياحي.
بُعد آخر شديد الخطورة تتضمنه هذه الاتهامات وهو البعد المذهبي. المحور السوري ــ الايراني هو الاسم الحركي أو التســـــــمية الديبلوماسية لما يعتبره البعض هلالاً شيعياً ممتداً من طهران الى الجنوب اللبناني مروراً بالعراق وسوريا. وعندما كانت القوى الشباطية تهاجم سوريا وحلفاءها اللبنانيين، لم يكن البعض المذهبي جلياً وحاداً كما بات اليوم بعدما وسّـــــعـــــــــت جبهة أعدائها بضم ايران إليها.
ينسجم هذا الخطاب مع ذلك الذي بات سائداً في عمان والرياض والقاهرة عن مخاطر تعاظم النفوذ الايراني في المنطقة وعن ولاء الشيعة في دولها المختلفة لطهران على حساب أوطانهم. ألم يستقل الوزراء الشيعة اللبنانيون «تنفيذاً» لخطة ايرانية؟ خطورة تبنّي هذا الخطاب من تيار المستقبل، وهو القوة الجماهيرية الأبرز والأكثر اعتدالاً بين قوى 14 شباط، هو انه تم في سياق شيوع مناخات مذهبية لا سابق لها في المنطقة على خلفية التطورات العراقية.
سيعزز هذا التبني بلا ريب الطابع المذهبي للاستقطاب اللبناني على الرغم من ان السبب الفعلي لهذا الأخير سياسي وعابر للطوائف والمذاهب. لا ضرورة للتذكير بخطورة هذه السياسة بالنسبة إلى مستقبل لبنان. أطراف كثيرة، كما في الماضي، قد تكون مستفيدة من النفخ على نار المذهبية، وها هي قوى «السيادة والاستقلال» توفر لها جميع الظروف الملائمة لذلك.