عصام نعمة إسماعيل *
مما لا شكَّ فيه أن الاستقالة من الخدمة العامة حق لكل قائمٍ بهذه الخدمة، وهو من صلب حقوقه الدستورية والمدنية، فإذا كان لكل مواطن حق تولّي الوظيفة العامة، فإن له في الوجهة المقابلة أن يتخلى عن ممارسة هذا الحق.
إلا أن ممارسة هذا الحق تبقى خاضعة للضوابط التشريعية حفاظاً على مقتضيات الوظيفة واستمرارية المرفق الذي يشغله هذا الموظف المستقيل. وتراوح هذه القيود بين وظيفةٍ وأخرى تبعاً لخصوصية المرفق وشروط إدارته.
ولعل أصعب القيود هو ذلك الذي يحكم استقالة العسكريين، من حيث يتوقف سريان الاستقالة على الموافقة الصريحة، عبر صدور مرسوم بقبولها، فإذا انقضت المدة القانونية من دون أن يصدر هذا المرسوم تعتبر الاستقالة مرفوضة (الفقرة 4 من المادة 51 من قانون الدفاع الوطني).
أما بالنسبة إلى الموظفين المدنيين، فالمادة 64 من المرسوم الاشتراعي الرقم 112/59 حددت حالة الاستقالة بناء على طلب الموظف، وقضت بأن تبتّ في طلب الاستقالة السلطة التي لها حق التعيين، وإذا لم ترفض الاستقالة في غضون شهرين من تاريخ تقديمها، اعتبرت مقبولة حكماً.
والحكم عينه بالنسبة إلى رئيس المجلس البلدي وأعضائه، إذ ورد في المادة 30 من قانون البلديات، أن الاستقالة تعتبر نهائية من تاريخ قبولها بقرار من المحافظ وإذا لم يبت بالقبول تعتبر الاستقالة نهائية بعد مضي شهر.
هذه القواعد المتعلقة بقبول استقالة القائمين بمهمات إدارية وعسكرية، نجدها أقل صرامة في ما خصَّ قبول استقالة القائمين بوظائف عليا، أو وظائف يغلب عليها الطابع السلطوي (أي المرتبط بالسلطات الدستورية). فمثلاً، إن استقالة رئيس الجمهورية تسري فور إعلان الرئيس عن استقالته، وهي لا تحتاج إلى قبول أو موافقة، بل إن الدستور سمح للرئيس بالاستقالة حتى لو كان مجلس النواب منحلاً، حيث نظَّم الدستور هذه الحالة الخاصة (المادة 74 من الدستور).
وأيضاً استقالة النائب لا يتوقف سريانها على أي قبول، من حيث تعتبر الاستقالة نهائية فور أخذ المجلس علماً بها. (المـادة 17 من النظام الداخلي للمجلس النيابي).
وكذلك استقالة عضو المجلس الدستوري تسري بمجرد تقديم المستقيل كتاب الاستقالة إلى رئيس المجلس (المادة 17 من النظام الداخلي للمجلس الدستوري).
وإذا استخدمنا المنطق نفسه، نرى أن استقالة الوزراء تسري بمجرد تقديمها، ذلك أن منصب الوزير هو منصب سياسي وجزء من سلطة دستورية، ويقتضي أن يمارس مهماته بحرية مطلقة ووفقاً لقناعاته، فهو ليس من فئة الموظفين الذين يقتضي أن ينالوا موافقة رؤسائهم على استقالاتهم، ورئيس مجلس الوزراء ليس الرئيس التسلسلي على الوزراء، فلا يملك أن يوجه للوزير لوماً أو تأنيباً ولا يستطيع منحه ترقية أو مكافأة، فهما أي رئيس الوزراء والوزراء جزء من السلطة التنفيذية، فإذا ما قرر الوزير الاستقالة، فلا يملك رئيس الوزراء رفض استقالته، وإذا أصرَّ الوزير على استقالته فلا يستطيع رئيس الوزراء معاقبته. أما لجهة قبول استقالة الوزير المنصوص عليها في المادة 53 من الدستور، فهو إشارة إلى الآلية التي يصدر بها قرار الاستقالة، فاستناداً إلى قاعدة موازاة الشكل، فإن الوزير الذي يعين بمرسوم يقتضي أن تقبل استقالته بموجب مرسوم أيضاً، ولنشر هذا المرسوم علاقة بتنظيم أعمال الدولة، من حيث لا يمكن إلزام موظفي الوزارة برفض أي قرار يصدر عن الوزير المستقيل قبل أن ينشر مرسوم الاستقالة وفقاً للأصول القانونية.
لذلك نرى أن رئيس الوزراء برفضه استقالة الوزراء، يكون قد خالف الأصول الدستورية، وتعدّى على حق شخصي للوزراء من دون أي مستند دستوري يبيح هذا التصرف.
ودليلنا الآخر، أنه على فرض أن الدستور أجاز لرئيس الوزراء رفض استقالة الوزراء، فإن الدستور يكون قد عطَّل الفقرة ب من المادة 69 من الدستور التي تنص على أن الحكومة تعتبر مستقيلة إذا فقدت أكثر من ثلث عدد أعضائها المحدد في مرسوم تأليفها.
فلو كان لرئيس الوزراء أن يرفض استقالة الوزراء، لما أمكننا أن نرى هذا البند مطبقاً أبداً، ولكانت استقالة الحكومة معلقة فقط على استقالة رئيسها وهو منصوص عليه في الفقرة أ، فلماذا إذاً أورد المشترع الدستوري الفقرة ب في متن الدستور، ما دام تطبيقها منوطاً برغبة رئيس الحكومة الذي يستطيع وفقاً للفقرة «أ» أن يستقيل ويقيل معه الحكومة، من دون حاجة إلى تحريك ثلث مجلس الوزراء وإجبارهم على الاستقالة. من هنا نتأكد أن استقالة الوزراء لا تتوقف على قبول رئيس الحكومة أو رفضه، إنما هي حق دستوري للوزير يمارسه ساعة يشاء.
* حقوقي لبناني